علي الشرنوبي يكتب: شهيد بولسن.. شيطان المسلمين الأمريكي المسئول عن التفجيرات الأخيرة في مصر!

تحكي السطور التالية قصة حياة رجل من أغرب القصص التي قد تعرفها أو ترد على بالك، قد تتعاطف معها أو تسب صاحبها لكنها بالتأكيد ستترك في نفسك أثرا لن يزول بسهولة، ولا أحد يعلم ما تحمله الأيام القادمة من أحداث قد تزيد من غرابة ذلك الرجل وقصته.بولسن

وقبل الدخول في تفاصيل قصة حياة هذا الرجل، نبدأ مع آخر أحداثها وأقرب تطوراتها وهو ما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” ، التي أعلنت كشفها عن هوية ذلك “المجهول” الذي يقف وراء التدببر والتحريض على الهجمات الأخيرة على بعض سلاسل المطاعم والبنوك ومحلات المحمول وبعض الشركات التجارية التابعة للجيش المصري، بالإضافة الى نقاط التفتيش الأمنية في مصر.
وقالت الصحيفة بناءا على ما وصلها من معلومات تؤكد أن ذلك المحرض هو مواطن أمريكي إسمه “شهيد كينج بولسن”، اعتنق الإسلام حديثا، وقد إعتاد إرسال رسائل للمتظاهرين الإخوان من مدينة إسطنبول بتركيا، يؤكد فيها أن الاحتجاجات غير العنيفة ليست مجدية، لكنها تعطي قوات الشرطة فرصة لاعتقال المتظاهرين أو إطلاق النار عليهم.
وأضافت الصحيفة، أن بولسن لم يكمل دراسته، كما أنه يتحدث العربية قليلا، ويرفع شعارات مناهضة للعولمة ومؤيدة للإسلام السياسي، وكذلك الشعارات التي تؤجج العنف ضد المصالح التجارية سواء الأجنبية أو المحلية أو التابعة للجيش في مصر.

وتقول الصحيفة أن بولسن – 43 عاما-، تعود أصوله لمدينة بولدر التابعة لولاية كولورادو الأمريكية، وهو أحد الغربيين المروجين لأنتهاج العنف والتشدد، ويتشابه في ذلك مع أمريكيين آخرين مثل أنور العولقي، زعيم تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، والذى قتل في غارة أمريكية عام 2012، مع رفيقه سمير خان.
لكن ما يجعل بولسن مختلفا عن غيره ويساعد على فهم جذور تطرفه هو طبيعة حياته الشخصية وسلوكه الفردي، الذي بدأ بتعصبه للعدالة الاجتماعية تجاه اعتناق الإسلام، كما أن هذه الأفكار تطورت طوال 7 سنوات قضاها في السجن بالإمارات نتيجة قضية تتعلق ببيع الجنس وتعاطي مادة الكلوروفورم المخدرة !.

كما أشارت الصحيفة إلى أن بولسين يعمل مدرسا للغة الإنجليزية في إسطنبول، وقد استطاع الوصول إلى الشباب المصريين عبر المواقع الإسلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويتبع صفحته على فيسبوك أكثر من 56 ألف شخصا، أغلبهم مصريون.

وأوضحت الصحيفة إن بولسن يركز هذه الأيام على التحريض على ارتكاب أعمال عنف وتخريب ضد المشاركين في المؤتمر الإقتصادي المقرر عقده في شرم الشيخ الشهر القادم، والذي يهتم به كثيرا الرئيس السيسي كدافع قوي لتعزيز الاقتصاد المصري. ومع اقتراب موعد المؤتمر، كتب بولسن على صفحته بالفيسبوك: “الأكثر أهمية للمتمردين هو إلحاق خسائر مالية حقيقية بالشركات متعددة الجنسيات والمستثمرين الأجانب.

ونعود لبدايات قصة حياة ذلك الرجل وإسمه الأصلي هو “شانون موريس بولسن” المولود في 1971، في اسرة مسيحية كاثوليكية مع ثلاثة أطفال، وترك والده العائلة عندما كان الطفل بولسن عمره 12 عاما لمتابعة عمله في كتابة السيناريو في ولاية كاليفورنيا، وتقول أمه أنه كان مفتونا بالمهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ، ويقضى ساعات طوال في القراءة والمكتبة؛ وكان ذكيا ومضحكا لكنه كان متضايقا للغاية من النزعة الاستهلاكية في أميركا، فبدأ يكون أكثر نشاطا في ممارسة تلك الفلسفات والتعمق في العمل الاجتماعي ومساعدة المشردين، كما واصل البحث عن الاتجاه الروحي الذي يعزز وجهات نظره بشأن الفقر والفقراء.
وفي أوائل 1997، عثر بولسن على كتاب يوثق حياة النبي محمد (ص)، وكأن طريقة تعامل الإسلام تجاه الفقراء قد لمست وتر حساس في عقل الرجل، الذي كتب لاحقا يقول: “في الواقع، الذي يتقبل ما فرض الله علينا، ويتحمل تلك التجارب بصبر، سيجد أن هناك مردود جيد يأتي من الأزمات الخارجية والأزمات الكبرى، إذا خلط المؤمن بين تلك الظروف وبين الإيمان.
وتقول والدته: لقد تشككت في مسألة تحوله الى الإسلام في البداية، لكنه شرح لي ذلك، وأنا تفهمت الأمر جيدا، فقال انه اعتنق حياته الجديدة تماما حتى انه اكتسب اسم جديد وهو “شهيد”، والذي اختاره له احد الشيوخ الباكستانيين من المسجد، وقد حصل على وظيفة كمراسل في صحيفة روكي ماونتن نيوز، حيث التقى زوجته، وهي فلسطينية عملت في الصحيفة كجزء من برنامج الزمالة، فتزوجا في 1997 في حفل تقليدي في قطاع غزة.
وبعد أن عاش بضع سنوات في دنفر، انتقل “شهيد” إلى ديترويت، التي بها أكبر تجمعات المسلمين في الولايات المتحدة، وتعلم بولسن اللغه العربية، وعمل في الجمعية الإسلامية بأمريكا الشمالية، يساعد في جهود الدعوة وحتى أنه يؤم صلاة الجمعة في السجون المحلية، لكن سرعان ما فكروا في الهجرة للخارج.
وتقول زوجته: أردنا أن نربي اولادنا في بلد مسلم، وكانت دولة الإمارات هي المكان المثالي لنا، فوصلوا إلى مطار دبي الدولي في عام 2003 لبدء حياة جديدة، فإفتتحوا مقهى للإنترنت، كما اشتروا حافلة صغيرة لنقل الأسرة واستأجروا فيلا وأدخلوا أطفالهم الثلاثة في المدارس العامة.
لكن سرعان ما بدأت أعمالهم الخاصة في الخسارة، وتقول الزوجة أنها اضطرت للعمل وشهيد كان يقوم بالكتابة، لكن سرعان ما بدأت أحلامهم بالحياة المريحة في التلاشي، فأصبحت الفيلا شقة صغيرة، واستأجرت العائلة خادمة اثيوبية للمساعدة في تربية الأطفال، لكنها تورطت في قضية قتل.
وفي الوقت نفسه، أصبح بولسن غير راضيا عن الحياة في دولة الإمارات، فقد ذهب بولسن لهناك معتقدا أنها ستكون دولة إسلامية مثالية،وأنشأ بولسن مدونة يتحدث فيها بصخب عن السياسة، والشرق الأوسط والإمبريالية الجديدة، كأنه يقوم بتنفيس الإحباط الذي أصابه مع رؤيته النزعة الاستهلاكية في دولة الإمارات والأوضاع المزرية للعمال، وكان منزعجا للغاية من الطريقة التي يعاملهم بها الناس وشعر باليأس من ذلك فظل يكتب ويكتب؛ وتقول أمه أنها في آخر زيارة إلى الإمارات في 2005، لاحظت شيئا سيئا في شهيد، فكان يعاني من الصداع السيئ والأرق، وفي هذه الليالي الطوال، كان شهيد يعتكف على كتبه والكتابة، وفي كثير من الأحيان كان يظل حتى صلاة الفجر، فكنت أتساءل إذا كان يعاني من الاكتئاب.
لكن سرعان ما انقلبت حياة بولسن رأسا على عقب بعد إتهامه بقتل مواطن لماني الجنسية يقيم في دبي بالإمارات، وكانت أسباب الجريمة تتعلق بدوافع جنسية حسب تقارير كل من المحكمة الفيدرالية الأمريكية والألمانية، وقد تعارف الرجلان على مواقع التواصل الإجتماعي على الإنترنت، حيث كان الألماني مارتن هيربرت شتاينر (58 عاما) يشعر بالوحده في دبي، بسبب وجود زوجته وابنته في سنغافورة، في انتظار ترتيب الإقامة لهم في دبي التي كان شتاينر قد نقل لها للعمل، ووفقا لوثائق المحكمة، في هذه الأثناء وجد شتاينر حساب خادمة بولسن على الإنترنت واتصل بها.
وتقول المحكمة ان الغرض كان لترتيب لقاء جنسي، لكن بولسن وعائلته يرفضون ذلك بشدة، وفي كلتا الحالتين، تقول الشرطة أن ذلك كان جزءا من خطة مدبرة من قبل بولسن لجذب شتاينر وقتله، فقد اتفقا على اللقاء يوم 12 يونيو 2006، بعد انتهاء شتاينر العمل، ووفقا للمحكمة، قيل له انه سيكون هناك لقاء جنسي مع امرأة إماراتية.
لكن بولسن قال للمحكمة الاتحادية العليا انه كان يعتزم التحدث لشتاينر عن أفعاله وحياته الخاطئة، والتقوا لأكثر من ست ساعات في ذلك اليوم، وتبادلا نحو 30 رسالة نصية وعدة مكالمات هاتفية، ثم غادر شتاينر دبي وتوجهت الى عجمان للقاء عمل هو الأخير، وتابع تبادل الرسائل النصية مع بولسن، ثم ووفقا للشرطة، اجتمعا في مركز تجاري في الشارقة.
وتقول زوجة بولسن أنه لا أحد يعرف ما حدث في تلك الليلة. حيث كانت هي مع الأطفال، في زيارة لوالديها في غزة في وقت القتل.
وقال بولسن للمحكمة أنه عندما وصل شتاينر في منزله، بدا أنه قد شرب كثيرا وأصبح مسيئا لفظيا ومعاديا، لذلك طلبت منه المغادرة، لكنه حاول أن يفرض نفسه على الخادمة.
فنشب بعد ذلك صراع بين الرجلين، وقال بولسن أنه في البداية أخذ علبة الدواء (كلوروفورم) الذي كان الطبيب قد كتبه له ليساعده على التغلب على الأرق، وهو مخدر ذو شعبية بين الأطباء، وقال بولسن انه كان ينوي تهدئة شتاينر بإعطاؤه بعض الحبوب، وليس قتله، لكن في شهادة الخادمة الأولية، قالت انها خرجت من الغرفة وعادت لتجد شتاينر على السرير، وقالت المحكمة الجنائية في الشارقة أن بولسن قال لها: “لا تقلقي، ولكن قولي الله أكبر لموت أحد الكافرين”!.
وبعد يوم من حادثة القتل، تقول الشرطة أن بولسن استخدم بطاقات الائتمان الخاصة بشتاينر لشراء ما قيمته عشرون الف درهم إماراتي لشراء الالكترونيات، وقال بولسن في وقت لاحق انه كان يعتزم بيع تلك المواد لكي يجد طريقه للخروج من البلاد، لكن في تلك الأوقات كانت أسرة شتاينر تبحث عنه، وكان قد شوهد آخر مرة في 12 يونيو 2006، وكان مكان وجوده مجهولا وتأخره غير معتادا بالنسبة لرجل معروفا بالإتصال بزوجته إذا كان سيتأخر لخمس دقائق فقط، فكانت زوجته كريستينا تشتبه بشدة في أن هناك شيئا خاطئا قد حدث لزوجها.
بعد ذلك وصلت الزوجة من سنغافورة لتوجه نداء عام للمساعدة في العثور زوجها، وفي اليوم التالي، لاحظت أن بطاقة الائتمان الخاصة بزوجها قد استخدمت بكثافة في عمليات الشراء في دبي؛ ووفقا لسجلات المحكمة، حصلت الشرطة على تسجيلات أظهرت لقطات لرجل ملتح أبيض مع امرأة سوداء من المحجبات، وفي غضون ساعات وصلت الشرطة لمنزل بولسن وألقت القبض عليه هو والخادمة،وتم استجواب الاثنين بشكل منفصل واعترفا بالقتل.
واعترف بولسن للشرطة بما قام به بالضبط: فقال أنه بعد يوم من قتل شتاينر، قرر الفرار إلى عمان باستخدام هوية الرجل الالماني، وأنه ربط جسم القتيل بحبل أزرق، ولصق أيدي شتاينر عبر صدره، ثم أدخل الجسم في حقيبة زرقاء، وربطها بإحكام بحزام الأمتعة، وقد قاد الشرطة إلى الجثة.
وقد رفضت زوجة القتيل بشدة عرض “الدية” المقدم من من عائلة بولسن لانقاذ حياته، وقد حكم على الخادمة بثلاث سنوات سجن والترحيل بسبب دورها في عملية القتل؛ أما بولسن فقد حكم عليه بأنه مذنب على أساس القتل الخطأ، لكن حكم عليه بالإعدام من قبل المحكمة الجنائية الابتدائية بالشارقة في أكتوبر 2007، وأيدت محكمة الاستئناف القرار، كما هو مقرر من قبل القانون في جميع الحالات التي يقرر فيها عقوبة الإعدام، وتم إرسال قضيته أمام المحكمة الاتحادية العليا في العاصمة في 2008؛ لكن المحكمة الاتحادية أعادت القضية مرة أخرى الى محكمة الاستئناف لاسباب فنية قانونية.
وأثناء المثول أمام المحكمة، كان بولسن يقرأ القرآن في انتظار قيام القاضي باستدعاء اسمه، وحلق رأسه وكانت لحيته مشعثة،وكان قد أصبح إماما، يؤدي صلاة الجمعة في سجن الشارقة المركزي، لكن بعدها، هرب بولسن من السجن، واستطاع التهرب من الحراس لمدة ساعة قبل أن يتم القبض عليه، أما عائلته فهي الآن على بعد آلاف الأميال، وقد سمعت زوجته وأولاده بحادث القتل قبل أيام من عودتهم إلى الإمارات؛ فذهبوا إلى ولاية كولورادو بالولايات المتحدة، حيث عاشوا منذ ذلك الحين.
لكن لم تنتهي قصة بولسن أو (شهيد) عند ذلك الحد، فيبدو أن الرجل أثناء مكوثة بالسجن قام بقراءة العديد من الكتب التي تدعو الى التشدد الإسلامي والتكفير وكراهية الآخر، بالإضافة لكونه مستعدا بالأساس لتقبل تلك النوعية من الأفكار التي دعمها إختلاطه بعدد من المتشددين والإرهابيين في سجون الإمارات.

تطور قصة بولسن مع السلفيين والإخوان المصريين

في أكتوبر 2013، أطلق سراح بولسن من السجن وحكم بترحيله بعد دفع خمس وخمسون الف دولار كـ(الدية)، فأخذ طريقه إلى تركيا، حيث بدأ في نشر آرائه التي اكتسبها في فترة سجنه، واكتسب بولسن العديد من المعجبين والمتابعين لأرائة على صفحتة بالفيسبوك؛ لكن بدأت شهرته الحقيقية عندما بدأ “محمود فتحي”، السلفي المصري المعروف بتعزيز آراء بولسن ونشرها، ومن غير الواضح كيف التقيا، لكن تقاسم الرجلين شقة معا عندما جاءا الى تركيا.

كان محمود فتحي، السلفي الثوري، مؤسس “حزب الفضيلة”، الحزب السلفي الأول الذي نشأ بعد ثورة يناير 2011، والهارب حاليا في تركيا بعد الإطاحة بالإخوان في مصر، كان في البداية مدعوما من قبل الشيوخ السلفيين في القاهرة، لكن سرعان ما تراجع الحزب بعد أن رفضه أولئك الشيوخ ونددوا بأفكاره معلنين أنها أفكار “متطرفة”؛ وفي العامين التاليين من الثورة، انجذب حزب الفضيلة نحو الأفكار المتطرفة على نحو متزايد، وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2012، أيد الحزب الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، الرجل المتشدد الذي وقف ضد المجلس العسكري وألقي القبض عليه لاحقا بسبب تزوير جنسية والدته الأمريكية في عام 2013.

وفي أعقاب الثورة الثانية في 2013، استطاع فتحي الفرار من مصر، وبدأ الدعوة للعنف ضد النظام الجديد من تركيا، والدعوة لقتل جنود وضباط الشرطة، وسرعان ما وجد فتحي وبولسن أن لديهما العديد من وجهات النظر المشتركة، وكان فتحي يتبنى الأفكار السلفية المتشددة ولديه معرفة وثيقة بالمشهد المصري، لكن، مثل معظم الإسلاميين الساخطين، كان يفتقر إلى استراتيجية التي تمكنه من اسقاط السيسي، فاستطاع بولسن أن يملأ تلك الفجوة ببعض الأفكار المتعلقة بنظرية نشر الفوضى والتحول من المعارضة للعولمة، والأهم من ذلك، جاء بولسن أيضا بالاستراتيجية المطلوبة، فاقترح مهاجمة الشركات متعددة الجنسيات، وحدد تكتيكات فعل ذلك حتى أنه قام بتوفير المعلومات اللازمة، بما في ذلك عناوين تلك الأهداف.

وجاء أول ظهور كبير لبولسن في مايو 2014 في لقاء بالفيديو على الأنترنت متحدثا حول الوضع في مصر، وتم تعريفه في الفيديو بأنه من “كبار المحللين” في شيء ما يسمى “الحملة العالمية لمكافحة العنف” (!)… وقيل أن تلك المنظمة التي بدأت في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، كان يرأسها رجل الدين السعودي المتطرف “سفر الحوالي”، وشملت أعضائها نشطاء السلفية البارزين مثل الكويتي “حكيم المطيري”، لكن القوة الدافعة الرئيسية للمنظمة كان “عبد الرحمن النعيمي”، وهو قطري معروف كممول للإرهاب العالمي ومحدد من قبل حكومة الولايات المتحدة في 2013؛ وخلال سنوات التمرد العراقي، لعبت الحملة دورا أساسيا في تمويل الزعيم السني العراقي “حارث الضاري” والمتشددين من طائفة السنة في العراق.

وكانت رسالة بولسن للثوريين الإسلاميين في مصر بسيطة، تقول “إن برنامج الليبرالية الجديدة هو الخطر الأكبر على مصر، وبالنسبة للحركة الإسلامية، من حيث (الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى)، ينبغي أن يكون الرد عليه بالقيام بـ”حملة تعطل النظام المستهدف” وتقوم ضد الشركات متعددة الجنسيات التي من شأنها خفض الأرباح وزيادة تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في مصر، وبالتالي إجبار المصريين على سحب دعمهم للسيسي، ويعرض بولسن ذلك النموذج بصفته ينطبق ليس فقط على مصر ولكن أيضا على نضال الإسلاميين في أي أماكن أخرى.

وقد ساعد نمو صفحات بولسن على وسائل التواصل الاجتماعية وزيادة أتباعه ومتلقي رسائله في مصر ليس فقط على توفير الاستراتيجية لجماعات معينة تدعو لأشياء مثل المقاومة الشعبية و العقوبة الثورية، لكن ألهمت أفكار بولسن أيضا قيام حملة على الانترنت تسمى بـ”مؤتمر الفاشلين”، والتي تهدف إلى تخريب قمة المستثمرين أو المؤتمر الإقتصادي القادم، والذي يتم التحضير والدعوة له على نطاق واسع من قبل حكومة السيسي، وتهدف استراتيجية بولسن الى تشجيع استهداف وترهيب الشركات العالمية المقرر أن تشارك في المؤتمر.

وتترجم مقالات بولسن وأفكاره التي ينشرها على الفيسبوك بدقة إلى اللغة العربية من قبل أنصاره الذين يحرصون على نشر وتعميم رسالته، والبعض منها قد تم نشره بالفعل في موقع Arabi21 وهو الموقع الإخباري الممول من قطر. ويرى البعض أن هذا الأمر يبدو مفاجئا أن تجد أفكاره الراديكالية ونظريات المؤامرة الترحيب بين الإسلاميين المصريين، وخاصة بين جيل الشباب الذين يتخبطون بين الأفكار المزدحمة بالأيديولوجيات المتطرفة، وقد وجدت أفكار بولسن المتطرفة تأييدا ضمنيا ولكن كبيرا من قبل جماعة الإخوان في مصر، والذين استضافوه مرتين حتى الآن على قناة “مصر الآن” الإخوانية، ويتضح ذلك من عدم إدانة الإخوان لأي من الهجمات التي تمت بدافع من أفكار ونظريات وتحريض بولسن؛ ويصر بولسن على أن حملته تتجاوز معارضة ما يسميه “الانقلاب العسكري” في مصر، مؤكدا أن دعوته هي أمر حاسم وهام لإقامة المشروع الاسلامي العالمي.

كما يصر بولسن على أن مصر لديها الفرصة لريادة مسار جديد في النضال الإسلامي، كما يكتب “إن العالم كله يحتاج هذا النموذج الجديد من المواجهة ضد نظام القوة العالمي” كما يؤكد بولسن أن الإسلام هو العدو الحقيقي لهذه الإمبراطورية الليبرالية الجديدة وهيكل السلطة الشيطاني الذي يسعى للاستيلاء على أراضي المسلمين الغنية بالموارد الطبيعية. ويوضح بولسن بقوله: “إذا كان لديك أي إهتمام بإقامة النظام الإسلامي، فالشرط لذلك هو الاستقلال عن “النظام الليبرالي الجديد”، كما يوضح أن هذا النموذج الرأسمالي هو مؤامرة من قوات “الوثنية” الغادرة، والتي تنشر دين “الرأسمالية القائمة على الكفر” الذي يجب أن يقاوم من قبل المؤمنين بالتوحيد الإسلامي، كما كتب بولسن أن مصر اليوم تتعرض للغزو والإحتلال من قبل الحرب الصليبية الليبرالية الجديدة.

ويعتبر بولسن أن نظرياته في “الجهاد” تعتبر أفضل بديل الأقل عنفا والأكثر فعالية من طرق “المقاومة” الأخرى والحملات التقليدية الإرهابية، ولا يشجع بولسن أن تستهدف قوات الأمن، حيث أن هذا، كما يقول، هو “ما هم مستعدون له” !… وبدلا من ذلك يعطي بولسن تعليمات أخرى محددة، مثل رمي أشياء تشكل عقبات تحت شاحنات النقل التي تؤدي إلى شلل في توريد الضروريات، ونشر عناوين وأرقام هواتف الشركات، والقيام بالإبلاغ بوجود قنابل وهمية لتقليل كفاءة عمل تلك الشركات وكذلك تعطيل وتشتيت قوات الأمن، ويبدو ذلك غير ضار نسبيا، ومع ذلك فقد اسبغ بولسن أيضا مباركته على التفجيرات والهجمات الإرهابية، ويتخذ بولسن هيئة الشيطان الباكي وهو يحرص على التعبير عن الأسف إذا سقط بعض الأبرياء موتى، ويحث بولسن اتباعه على اتخاذ الخطوات “الاحترازية” عند مهاجمة الشركات وحرقهم (!).

وفي الوقت نفسه، نجد أن رسائل بولسن واضحة تماما في إصرارها على إحداث مواجهة لا هوادة فيها، فيقول بولسن في رسائله الشيطانية أنه إذا قام المتمردين بحرق المزارع وكذلك حرق بيت “سيد الرقيق”، فهؤلاء العبيد الذين يبقون في المنزل سوف يضطرون للبحث عن مكان آخر للعيش، ولكن هذا العمل سيحررهم كلهم، وهو ثمن قليل لفائدة عظيمة، ولكنه سعر يجب أن يدفع. وأوضح بولسن أنه يمكن للمسلمين أن يجدوا مصدر إلهام لحربهم ضد الشركات في التقاليد الخاصة بهم، ويعطي مثالا على القبيلة اليهودية التي خاضت حربها ضد المسلمون الأوائل في القرن السابع الميلادي؛ فيقول أن حرق أشجار التخيل لـ”بنو النضير” استطاع إنجاز ما لم تستطع السيوف والسهام أن تنجزه؛ والمسلمين الذين تبرر لهم الشريعة القيام بالكفاح المسلح، يجوز لهم أن يفعلوا ذلك ضد “هيمنة الشركات الغربية في بلادهم”.

وهكذا، فإن الهجوم على الامتيازات مثل مطاعم كنتاكي ” KFC” التي (خصها بولسن برسائله مرارا) هو خط المواجهة في هذه المعركة، عندما تضرب KFC، أو أي من شركاتها، فإن رسالتك تذهب مباشرة إلى قمة الهرم، وكتب بولسن، في اشارة الى المجموعات الاستثمارية التي تمتلك أسهم في الشركة الأم كنتاكي، صاحبة العلامات التجارية (يام). والتي ظهرت على صفحته بالفيسبوك عملية حرقها و كتب عليها عبارة “أعمالكم، تساوي دمائنا”… وفي حين أن فكرة استهداف الإسلاميين لمطاعم الامتيازات الوجبات السريعة قد تبدو سخيفة، فإن هذا الشكل الجديد من أشكال الإرهاب يبشر بأن يؤدي هذا الاتجاه المشؤوم إلى المزيد من القتلى في صفوف الأبرياء من المدنيين.

وتقول صحيفة فورين بوليسي أن ظهور بولسن مؤخرا كمفكر ليس صدفة، فقد تشابكت أفكاره مع أحدث النظريات الحالية ظهورا داخل الإسلام السياسي، والمعروف باسم “الثورية السلفية” والتي ظهرت لوقت طويل قبل ثورة عام 2011 في مصر، وأنشأها واحد من أوائل المجموعة الجهادية الأولى في مصر، ويدعى “رفاعي سرور”، والذي بدأ في الترويج لشكل جديد من العنف الإسلامي اندمج مع العقائد السلفية، والمبادئ الجهادية، والمنهجية الثورية؛ وأخذت أفكاره تنتشر بين شباب السلفيين الذين كانوا متحمسين للعمل ولكنهم محبطين من تفكير الزعماء الدينيين التقليديين، وخلال الثورة كثير منهم التف حول القيادة الكاريزمية لحازم صلاح أبو إسماعيل، الذي أصبح زعيم المجموعة التي رفضت أي تعاون مع الجيش خلال الفترة الانتقالية فيما بعد الثورة، والذي دعا لتطبيق الشريعة، وكانت دعوة إسماعيل تتجه نحو تحرر السلفية من أغلال المناهج والمفاهيم التقليدية؛ ونشر السلفية بين الجماهير، وخلط السلفية مع جرعة كبيرة من العدالة الاجتماعية، ومعاداة الولايات المتحدة، وقد أتت اللحظة الثورية في مصر، بحدوث اطاحة الجيش بالإخوان في يوليو 2013، وما صاحبها من أحداث في رابعة والنهضة، وتمكنت تلك الأحداث من فعل ما بدا مستحيلا، وهو حقن الفكر الثوري والمعادي للرأسمالية في الإسلام السني، وبطريقة ما، بدأ مفكري الثورة السلفية في السير على خطى “علي شريعتي”، وهو المفكر الإيراني الذي جمع في السبعينيات بين الخطاب الماركسي المناهض للاستعمار مع شكل مكثف من مفاهيم الإسلام السياسي.

وبعد وفاة رفاعي سرور ظلت السلفية الثورية دون منظر أو مفكر، في حين القي أبو إسماعيل بالسجن بعد الثورة ضد الإخوان، وقد حرمها ذلك أيضا من وجود الزعيم، فكانت الفجوة التي تركها غيابهم هائلة، وحاولت عشرات من الجماعات والأفراد ملء ذلك الفراغ، ويبدو انها وجدت بالفعل ذلك الملهم والقائد في شخص بولسن، الذي يتبنى بالفعل الشعارات الرنانة من المزيج بين الإسلام ومعاداة الرأسمالية، ويبدو أن بولسن سيكون هو “لينين الاسلامي” الذي تصادف أن يكون قاتلا لأحد أصدقاؤه !، والذي يشرف على الجنون، ومن جهة أخرى يشهد ذلك على عمق الأزمة التي يجد الإسلاميين المصريين أنفسهم فيها، والتي تظهر في استعدادهم لقبول أي مخلص يأتي بـ”خلاص جذري”… حتى لو جاء على شكل رجل فاشل بالأساس ولايتحدث اللغة العربية… لغة النبي محمد والقرآن الكريم.

 

Leave a comment