علي الشرنوبي يكتب: أحلام وطموحات الإرهابيين في العام الجديد 2015.

ما بين الأحداث والوقائع التي شهدها العالم في العام الماضي، والتطورات السريعة والمتلاحقة التي شهدتها الساحة العالمية سواء من جانب الدول في صراعها مع الإرهاب أو من جانب الجماعات المتشددة نفسها في أماكن كثيرة حول العالم، نجد الكثير من الكتاب والمحللين يحاولون توقع ما قد يحمله لنا الغد في العام الجديد، وأن يقوموا بتحليل ما لديهم من معلومات ورؤى قد تمكنهم من كشف المستقبل القريب والغد المجهول.

ومن هؤلاء المحللين الكاتب الأمريكي “ريان ماورو” المتخصص في دراسة الجماعات المتشددة والمتطرفين، ويقول ماورو في تقريره المنشور على موقع “كلاريون بروجكت” أنه من المتوقع في السنة الجديدة أنه سيكون لزاما على الغرب أن يتعامل مع بعض الخصوم الذين إكتسبهم في عام 2014، وبالأخص سيكون على الولايات المتحدة أن تتفاوض مع من تعتبرهم من الإرهابيين، كما سيكون على حكومة الولايات المتحدة أن تخضع للتهديدات التي يطلقها هؤلاء.
ويدلل ماورو على وجهة نظره بالقول أنه في العام الماضي 2014، قامت الولايات المتحدة بالفعل بالتفاوض مع حركة طالبان على إطلاق سراح بعض الأسرى المعتقلين لديها مقابل قيام طالبان بالإفراج عن جندي أمريكي كانت قد إختطفته سابقا، حيث تم إطلاق سراح خمسة ممن كانت الولايات المتحدة تعتبرهم من الإرهابيين الشديدي الخطورة والمنتمين لحركة طالبان الأفغانية مقابل تحرير رقيب بالجيش الأمريكي يدعى الرقيب “بو بيرجدال”، وقد اشاد زعيم طالبان الملا عمر بتلك الصفقة ووصفها بأنها “إنجاز كبير” يمكن ان يطمئننا بأن تطلعاتنا على وشك التحقيق قريبا”.
في المشهد الإيراني الأمريكي

وعلى الجانب الآخر، يتوقع ماورو أن يشهد العام الجديد مزيدا من المناورات السياسية بين إيران وأمريكا، وذلك فيما يخص القضية النووية الإيرانية، فمن جانبها تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لا تزال تمتنع عن الكشف الكامل عن برنامجها النووي، ومع ذلك فقد تم تمديد المفاوضات والعقوبات المفروضة على إيران لمدة ستة أشهر أخرى، بل ووصل الأمر إلى أن تعترف الولايات المتحدة سرا بأن إيران خالفت بالفعل بنود الاتفاق النووي المؤقت، بينما في العلن وأمام وسائل الإعلام، يثني وزير الخارجية كيري علنا على ما يسميه “الامتثال” من جانب إيران لما تم الإتفاق عليه مسبقا.
وبعيدا عن المعلن والخفي في علاقة الولايات المتحدة مع النظام الإيراني، نجد أن هذا النظام يستخدم المفاوضات كجزء من استراتيجية طويلة الأجل لكسب الوقت لتطوير قدراته من الأسلحة النووية، مع إستمرار العمل بالمخالفة للقانون الدولي وبما يمكن وصفه بالجرائم الدولية، وربما يتم الاستعانة في تلك الأعمال بمصادر خارجية معادية أيضا للولايات المتحدة وللغرب عامة مثل كوريا الشمالية التي سبقت إيران في الوصول لتصنيع وإنتاج القنبلة النووية.
وقد إعترف أحد كبار مستشاري “آية الله خامنئي” المرشد الأعلى الإيراني، بأن خامنئي قال إن استراتيجية النظام الإيراني هي “الاستطالة” ، بمعنى أن تطيل أمد المفاوضات والإتفاقات بقدر ما تستطيع، وأنها لا تريد فعلا الوصول الى أي صفقة في صيغتها النهائية.
وفي عام 2015، سوف تستمر إيران في إتباع هذه الاستراتيجية في محاولة منها لكسب المزيد من الوقت لتعزيز برنامجها النووي، كما سيؤدي إتباع تلك الإستراتيجية الى تفويت فرصة مهمة للغاية على الغرب للضغط على النظام الإيراني ماليا، وفي الوقت نفسه، فإن إيران سوف يمكنها الفوز بكثير من الاستثمارات والعقود المبرمة مع الشركات الأوروبية، مما سيؤدي بالطبع الى مساعدة الاقتصاد وحماية إيران من مخاطر وأضرار العقوبات الفعالة في المستقبل.
ومن المتوقع أيضا أن تستمر إيران في رعاية الإرهاب، بما في ذلك بعض روافد تنظيم القاعدة وحركة طالبان وسوف تستمر أيضا في محاولة رأب الصدع مع تركيا والإخوان المسلمين وخاصة مع حركة حماس الفرع الفلسطيني للإخوان، كما سوف تستمر في التدخل لصالح بشار الأسد سواء بشكل مباشر أو عن طريق حزب الله والميليشيات الشيعية التابعة لها في حربها مع القوى الإسلامية الأخرى في الأراضي السورية.
أزمة النفط
ومن ناحية أخرى، نجد أن تراجع أسعار النفط الذي تشهده الأسواق العالمية حاليا سوف يؤدي الى تعزيز الاقتصاد الأمريكي، كما سوف يؤدي التقدم التكنولوجي الى تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الطاقة المستخرجة من النفط، وهذه التراجعات الحادة في أسعار النفط قد تؤدي الى تأثير خطير جدا بالنسبة لإيران، والنظام السوري، وفنزويلا وروسيا وعدد من الأنظمة المعادية للولايات المتحدة.
فمن المؤكد ان هذه الحكومات تحتاج إلى ارتفاع سعر النفط حتى تستطيع الحفاظ على ميزانياتها والنمو الإقتصادي لديها، و مما لا شك فيه غضب النظام الإيراني من السعوديين لرفضهم خفض إنتاج النفط، بل وهددت بإفتعال حرب في أسعار النفط.
وقد نجح وكلاء إيران في الإستحواذ على صنعاءعاصمة اليمن، وكذلك هزيمة حلفاء المملكة العربية السعودية؛ وفي عام 2012، أطلقت إيران هجوم كبير على الإنترنت على شركة أرامكو السعودية وشركة الغاز الطبيعي في قطر، وقد كشف السعوديين عن محاولات الهاكرز والقراصنة الإيرانيين لوقف إنتاج النفط والغاز الطبيعي بالتسلل الى الحاسبات الخاصة بشركات الإنتاج السعودية، وكلك سوف تستمر محاولات القراصنة الإيرانيون لمهاجمة الشركات الأمريكية وشركات الطاقة ووزارة الدفاع والجامعات.
وفي عام 2015، سيؤدي انخفاض أسعار النفط الى تعظيم الحوافز لإيران وغيرها من الحكومات المعادية للغرب وللتحريض على استمرار الصراعات الإقليمية أو حتى لمهاجمة الشرق الأوسط والبنية التحتية للطاقة الأميركية.
التوسع في الملاذات الآمنة للإرهاب
يتوقع المحللون في الغرب أنه في العام الجديد، سوف يحصل الإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين على فرص متزايدة لاستعادة عدد كبير من المقرات والملاذات الآمنة التي فقدت منذ عام 2001، وإلى توسيع قواعدها الحالية.
ويستدلون على قولهم بأنه قد أعلنت الدولة الإسلامية “داعش” في نوفمبر انها وسعت من وجودها وأصبحت تتواجد في دول عدة بدءا من العراق وسوريا ووصولا إلى ليبيا والجزائر ومصر واليمن والمملكة العربية السعودية، كما أعلنت انها قتلت ثمانية من الشيعة في المملكة العربية السعودية وأطلق أتباعها النار على مواطن من الدنمارك في الرياض، وقد أعرب 60 على الأقل من الجماعات الجهادية في 30 بلدا التضامن مع الدولة الإسلامية ومبايعتها والإنضمام تحت لوائها.
سوريا هي الوجهة المثالية للجهاديين.
ويرى ماورو أن نظام الأسد المدعوم من إيران يستطيع الفوز على أرض المعركة، ولكن في الوقت نفسه لديه نقاط ضعف شديدة وسوف تزداد سوءا في العام الجديد مثل إفلاس النظام والبنية التحتية المنهارة والنقص في اليد العاملة، وقطع نظام الإعانات التي تعتبر أساسية للحفاظ على الدعم المستمر من جماهيره.
ومن المؤكد إن سعر النفط المنخفض سوف يقوض بشكل كبير الدعم الذي تحصل عليه سوريا من إيران وروسيا، وقد اعترف المسؤول التجاري السوري مؤخرا أن النظام قد يسقط سريعا دون المساعدات المالية الإيرانية.
وفي نفس الوقت، نجد أن المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة تشتتوا الى اشلاء على يد الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، وحاليا يجري وصف البلاد بأنها “خليط من الإقطاعيات المتحاربة” وأنها تغرق في “فوضى عارمة” ، وهناك تنبأ للعام 2015 بأن هناك احتمالات كبيرة بأن تنتشر الحرب الأهلية السورية بحيث تصل نيرانها الى لبنان بشكل كبير.
وعلى الجانب الآخر قد تستمر الحرب الأهلية في ليبيا، حيث الميليشيات الاسلامية تحرز تقدما كبييرا في شرق ليبيا ضد القوى العلمانية، كما استطاعت الدولة الإسلامية غزو مدينة درنة وأقامت معسكرات تدريب بها ما يقدر بنحو 200 فرد من الإرهابيين.
ويمكن أيضا أن تنتشر الحرب الأهلية الليبية إلى تونس والجزائر المجاورة،فنجد أن العلمانيون الليبيون يحرزون بعض الانتصارات في غرب ليبيا وفي نفس الوقت تقوم تونس بغلق المعابر الحدودية بقوة ، كما نجد أن الحكومة التونسية الجديدة المناهضة للحركات الاسلامية قد تدخل في مواجهة مع الميليشيات الاسلامية مثل جماعة أنصار الشريعة التي تنتشر في كل من ليبيا وتونس.
وفي الوقت نفسه نجد أن بلدا آخر مثل اليمن هو أيضا فرصة عظيمة للجهاديين، حيث نجد أن جماعة الحوثيين المدعومين من إيران قد استولت على العاصمة صنعاء وتتقدم في الأجزاء الوسطى والجنوبية من البلاد، وتسعى لمحاربة اتباع تنظيم القاعدة والمقاتلين من طائفة السنة على طول الطريق، وبهذا يمكن أن نجد تكرار في اليمن لنفس المشهد الحادث في سوريا في وقت قريب جدا.
ووصولا إلى مصر، نجد أن الجيش يقاتل تمردا اسلاميا في شبه جزيرة سيناء، ونجد أيضا أن تنظيم الدولة الإسلامية يتوسع هناك، والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة مثل أنصار بيت المقدس وغيرها هناك يحتمل أن تعاني من خسائر كبيرة، بينما يمكن لأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين وحماس أن ينضموا إلى المعركة الدائرة بين الجيش والشرطة من جانب والجماعات المتشددة من جانب آخر، فيما تحاول الحكومة المصرية تفكيك الإسلام السياسي.

أما في أفغانستان، فقد تعهدت الولايات المتحدة بانهاء المهام القتالية الرسمية في نهاية العام 2014، وخفض مستويات القوات الامريكية وأن القوات المتبقية ستغادر بحلول عام 2016، وفي نفس الوقت نجد أن حركة طالبان الأفغانية استطاعت بالفعل تحقيق مكاسب كبيرة في مقاطعة هلمند، لأن الولايات المتحدة سلمت المهام الامنية لقوات الأمن الأفغانية، لكن القوات الأفغانية لا يستطيعون وقف حركة طالبان من الاستيلاء على منطقة واحدة هناك.
وقد نشأت مجموعة سرية من العشرات من الطلاب يقومون بدعم الدولة الإسلامية في أفغانستان، ويجري حاليا نشر عبارات التأييد للدولة الإسلامية في باكستان المجاورة، كما يمكن للدولة الإسلامية الفوز أيضا على العناصر المتشددة من المعارضين والمناوئين لحركة طالبان الأفغانية بدلا من التفاوض مع الحكومة المنتخبة.
وقد وجدت العديد من التعليقات والدعوات على شبكة الإنترنت من قبل أعضاء الدولة الإسلامية وأنصارها يتحدثون بحماس عن تكرار نفس التجربة والسيناريو في أفغانستان بعد النجاح الذي تمتعت به الدولة الإسلامية في العراق بمجرد مغادرة القوات الامريكية افغانستان.
وعلى الجانب الآخر، يمكن أن يصبح الإسلاميين أيضا أقوى في منطقة آسيا الوسطى بسبب الجهاديين العائدين من سوريا، وبالتوازي مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان نجد ارتفاع واضح في دعم الحركات الإسلامية المتطرفة، كما يتضح من صعود حزب التحرير في قرغيزستان وأوزبكستان؛ وقد أحبطت قيرغيزستان هجمات من قبل الإرهابيين الذين عادوا من سوريا وسعوا لإشعال فتيل التمرد هناك.
وفي ديسمبر، قام أتباع جماعة إرهابية تدعى “إمارة القوقاز” بأن هاجموا مدينة غروزني في الشيشان وقاموا بقتل 14 من رجال الشرطة، وقد أفرجت “الإمارة في داغستان” عن شريط فيديو يعلنون فيه الولاء للدولة الإسلامية، على الرغم من أن أمير الجماعة أيد زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري من قبل.

الإرهاب الناشئ في الداخل
أما الحقيقة المؤسفة هي أن حدوث هجوم إرهابي محلية على الاراضي الاميركية هو شيء مؤكد في عام 2015.
فأن كان هناك على الأقل ستة أعمال مستوحاة من الإسلاميين المتشددين على الأراضي الأمريكية في عام 2014، مع مقتل اثنين من ضباط إدارة شرطة نيويورك، وقد تم اعتراض14 شخص على الأقل من الأميركيين كانوا في طريقهم للانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام، مع حالات آخرها سيدة وأم في ولاية فرجينيا ورجل من شيكاغو مع اثنين من الأشقاء في سن المراهقة.
ويعتقد أن أكثر من 100 من الامريكيين انضموا بالفعل للجماعات الجهادية في سوريا، مع تقديرات أخرى تصل إلى 300 ، كما تراقب المباحث الفيدرالية نحو 150 من الأمريكيين الذين عادوا من سوريا لإحتمال وجود ارتباطات إرهابية محتملة.
وقد ألهمت الدولة الإسلامية جيل جديد من الإرهابيين المحليين، ووجدت دراسة أن عدد الجهاديين السلفيين قد تضاعف منذ عام 2010. وقد تضاعف عدد الجماعات الجهادية السلفية الفردية منذ عام 2001 وتضاعف ثلاث مرات عدد الهجمات منذ عام 2010؛ كما أن وزارة الخارجية تحسب أيضا ارتفاعا بنسبة 40٪ في الهجمات في عام 2013 وارتفاع بنسبة 60٪ في عدد القتلى من الإرهاب.
واستنادا إلى هذه المؤشرات والإحصاءات، فمن المؤكد أن نقول إن الإرهاب سوف يحتل العناوين الرئيسية في جميع أنحاء العالم في العام 2015 تماما كما فعل في معظم شهور عام 2014.

One thought on “علي الشرنوبي يكتب: أحلام وطموحات الإرهابيين في العام الجديد 2015.

Leave a comment