علي الشرنوبي يكتب: سقوط القناع عن مرسي وظهور الوجه القبيح للإخوان

سقوط القناع عن مرسي وظهور الوجه القبيح للإخوان

 حامي الإرهابيين - الموجز- 11-3-2013علي الشرنوبي

أصدر معهد الأبحاث التابع لمؤسسة ومجلة (Foreign Policy) الأمريكية تقريرا عن الرئيس محمد مرسي وطبيعة علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية، ووصف كاتب التقرير (رايموند ستوك) مرسي بأنه كمن يرتدي قناعا يخفي وجهه الحقيقي في تعامله مع أمريكا وإسرائيل، وأن هذا القناع قد سقط بالفعل مع إعلان الرئيس محمد مرسي لـ”الجمهورية الجديدة” في 26 ديسمبر، وبعد مرور الدستور الذي يحول مصر الى دولة اسلامية “نصف ديمقراطية”، حيث وصلت “ثورة 25 يناير” لنقطة كارثية وبالغة الأهمية لتاريخ العالم بما تمثل من الفوز الرسمي – إن لم يكن النهائي – للإخوان المسلمين في نضال استمر 84 عاما للوصول الى السلطة.. ويقول “ستوك” أننا سوف نتذكر سنة 2012 هي التي حملت للإسلاميين أكبر المكاسب في سعيهم للوصول الى الخلافة الجديدة في المنطقة، بدون تغيير جذري بطبيعة الحال في سياسات واشنطن، وقد تتجاوزها 2013 من حيث التقدم نحو هذا القدر المحتوم.

ويوضح التقرير أن مصر، أكبر دولة عربية، وثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية، والحليف الثاني الأكثر أهمية لأمريكا في الشرق الأوسط بعد إسرائيل، وقعت الآن في أيدي نظام معادي لأمريكا التي ما زالت تتعامل معه بود حتى لو كانت الفورة المفاجئة من العنف على طول قناة السويس مع تصاعد الاضطرابات السياسية والاقتصادية في القاهرة وأماكن أخرى يمكن أن تؤدي إلى انقلاب عسكري جديد.

ويضيف أن هذا الواقع الجديد لا يهدد فقط الأهداف التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية بشأن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط ومسألة أمن إسرائيل، لكنه أيضا يهدد دعم أميركا للديمقراطية في العالم العربي؛ وعلاوة على ذلك، فإن ثمرة هذه “الديمقراطية الاسلامية” هي كارثية على مصر وشعبها وعلى ما حولها في المنطقة وخارجها.

ويتساءل “ستوك” كيف حدث كل هذا ؟ وما هو الدور الذي لم تلعبه الولايات المتحدة كما يجب ؟

ويجيب قائلا أنه في مقابلة تلفزيونية يوم 3 فبراير 2011، قال مبارك انه حذر أوباما شخصيا انه سيكون هناك فوضى وسيستولي الإخوان المسلمون على الحكم الإخوان إذا أجُبر على التنحي في ذلك الوقت، واقترح بدلا من ذلك نقل بعض صلاحياته إلى نائب الرئيس حتى الانتخابات الرئاسية في سبتمبر، وأنه لن يترشح فيها لا هو ولا ابنه جمال، وقام بتعيين اللواء عمر سليمان، رئيس الاستخبارات العسكرية، الذي كان له خبرة واسعة في قمع الإخوان المسلمين والتفاوض معهم على حد سواء، وكان ينظر اليه في الغرب على أنه رجل نظيف اليدين، وعلى الرغم من قبول متظاهرين كثيرين لهذا الحل إلا أن غيرهم الكثير ومعهم البيت الأبيض لم يتقبلوه؛ وفي مساء يوم 10 فبراير، أصدر أوباما بيانا قال فيه أن الشعب المصري يعتقد أن الانتقال إلى الديمقراطية لم يحدث بالسرعة الكافية، وفي مساء اليوم التالي كان مبارك قد تنحى.

ويؤكد “ستوك” أنه بعد ذلك.. اتضح أن جميع تنبؤات مبارك كانت صحيحة.. فبعد تنحية تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي كان دائما تابعا للرئيس، ووعد بالتخلي عن السلطة بعد انتخابات البرلمان والرئاسة وإقرار دستور جديد، بينما كان المجلس العسكري يتفاوض مع ائتلاف جماعات المعارضة ممثلة في الإخوان المسلمون ومع الولايات المتحدة كذلك… ولمدة عام ونصف تعاون المجلس العسكري بشكل وثيق مع الإخوان المسلمين في ادارة البلاد، بينما كان الليبراليين والعلمانيين وبعض الجماعات السلفية يتظاهرون دون انقطاع تقريبا ويقومون باحتجاجات عنيفة في كثير من الأحيان – والتي تم سحقها بالقوة – للمطالبة بنقل السلطة إلى الحكم المدني في أسرع وقت.

ويشير ستوك الى أن الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء أنهم كان ينبغي أن يدركوا أن هذا لا يعني سوى تسليم إلى الإخوان المسلمين وحلفاءهم من السلفيين، وحتى أولئك الذين فهموا هذا.. اعتقدوا ببراءة أن الاسلاميين سيوفوا بوعودهم بتحقيق الديمقراطية في النهاية… بينما ما حدث أنه في وسط المظاهرات الدامية المستمرة والاضرابات واسعة النطاق، واضطهاد المسيحيين وانتشار الجريمة، استحوذ الإخوان بثقة على جزء كبير من تعاطف ودعم إدارة أوباما، وتشاركوا حمل المسئولية مع القوات المسلحة المصرية الممتلئة بالمتعاطفين مع الإسلاميين، ناهيك عن المتظاهرين في ميدان التحرير وجميع أنحاء البلاد؛ لكن كان الدور الأمريكي حاسما في نهاية المطاف.

كما يوضح أن القليل من المراقبين يعرفون أن الإخوان المسلمين يستطيعون حشد اعداد اكبر بكثير من المتظاهرين في أرض الواقع مما يستطيع الليبراليين والعلمانيين الذين ينشط معظمهم على الفيسبوك وتويتر رغم أنهم كانوا أصحاب الفضل الأول في بدء الثورة التي تضاءلت قدرة الإخوان فيها على حشد المتظاهرين مقارنة بقدرة الليبيراليين والعلمانيين، كما غابت الشخصيات الرئيسية منهم عن وسائل الإعلام تماما.. وظهرت شخصيات لم يكن معلوما مدى إرتباطها بجماعة الإخوان مثل “وائل غنيم”، الذي يتمتع بقبول جماهيري بين الشباب، والذي (كما هو موثق في امريكا في وقت سابق منذ أن كان يعمل في جوجل) قلة من الناس يعرفون انه كان عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين في أواخر سنوات المراهقة.. وكما قال عصام العريان، أن الشخص الآخر وهو السكندري عبد الرحمن منصور الذي كان أدمن لصفحة (“كلنا خالد سعيد”) التي لعبت دورا رئيسيا في إطلاق الاحتجاجات في 25 يناير كان هو أيضا ناشطا في جماعة الإخوان المسلمون.

كما يؤكد “ستوك” أن دور أميركا الأساسي في دعم الإخوان المسلمين لم يبدأ مع ثورة 25 يناير. أو بالأحرى، فإن الثورة لم تبدأ في ذلك التاريخ.. فيمكن القول، أنها بدأت فعلا في 4 يونيو 2009،.. ففي ذلك اليوم، ألقى أوباما خطابه الشهير “إلى العالم الإسلامي” من جامعة القاهرة، ولم يقتصر الامر على دعوة قيادة جماعة الإخوان المحظورة للحضور، بل امتد الى الجلوس في الصف الأمامي، والذي هو (وفقا للبروتوكول) مكان جلوس الرئيس مبارك !..، وهذا يعني أن رئيس الولايات المتحدة اوباما.. دعا رئيس منظمة غير قانونية ومحظورة ليكون ليس فقط حاضرا، لكن في وسط الصف الأمامي عندما ألقى خطابا تاريخيا في عاصمة الحليف الرئيسي لأمريكا وهي مصر حيث يرأسها الحليف الرئيسي لأمريكا وهو مبارك الذي دعاه أوباما بالـ”صديق”، ويقول “ستوك” ان اوباما بهذا رفع هذه العناصر الإجرامية إلى مستوى حكومة ظل، وكأنه كان يقول للإخوان المسلمين “أنتم المستقبل”… وفي الوقت نفسه، كان يقول عن حليفه الأول مبارك أنه يمثل له “التاريخ”… ويؤكد ستوك أن مغزى هذه الرسالة لم يغيب على أي منهم، حتى لو كان غاب كليا عن جميع الآخرين، خاصة أولئك الذين كان ينبغي أن يفهموا ذلك التلميح والمعنى بسهولة.

ويلفت “ستوك” في تقريره الى أن خطاب أوباما لم يكن موجها إلى كيان دبلوماسي محدد ومعترف به، فالعالم الإسلامي هو مفهوم ديني وثقافي يمتد لعشرات البلدان في جميع أنحاء العالم، وكلها مختلفة تماما عن بعضها البعض، وبالتالي فهي السابقة الأولى لرئيس أميركي يطلب من المسلمين في كل مكان تحديد أنفسهم ليس عن طريق الوطنية أو الهوية العرقية حتى، ولكن عن طريق دينهم؛ وهذه الفكرة الغير مسبوقة قدمت اغراء كبير للإخوان المسلمين بصفتهم تنظيم عالمي، وهذا أيضا لم ينتبه إليه سوى عدد قليل في امريكا، لكنه كان واضحا بالنسبة لأولئك الذين يعتزم الوصول إليهم، والذين تعرضوا لأشد الضرر بسبب هذا أيضا.

الطاغية الديمقراطي !

ويتابع التقرير موضحا أنه بالنسبة الى وسائل الإعلام الرئيسية في أميركا – وعلى رأسهم نيويورك تايمز – وكذلك بالنسبة لصناع السياسة والعديد من المتخصصين في الشرق الأوسط، الرئيس “مرسي” هو نسخة منقحة او محسنة من “حسني مبارك” (لأنه جاء بالإنتخاب)،  فعلى صفحتها الاولى.. نشرت صحيفة نيويورك تايمز في اغسطس الماضي تقييما لسياسات مرسي، اشارت فيه الى أنه لاعب جديد رائع على المسرح العالمي برغم قلة خبرته، وقد أظهر استقلاله عن واشنطن من خلال رغبته في الحصول على دعم دولي أكثر تنوعا، ليس فقط لانه طلب المساعدات من أوروبا ولكن أيضا من الصين، حتى وصل إلى “بعبع” مبارك وأميركا، وهي إيران..وحينها قال الخبير “كيرك باتريك” أن مصر لديها مصداقية كلاعب ناشئ في العالم العربي ونموذجا ناجحا للتحول الديمقراطي في الربيع العربي.
ويضيف التقرير أنه سريعا ما جاء تتويج مرسي كلاعب دولي في نوفمبر عندما تظاهر بأنه وسيط نزيه في التوصل لوقف اطلاق النار بين اسرائيل وحماس في غزة؛ وأشاد الجميع به كصانع سلام بالتوصل الى اتفاق تطلب تنازلات خطيرة من إسرائيل مثل تخفيف القيود على غزة والتي قد تسمح بدخول أسلحة أكثر خطورة اليها، ووضع حد لقتل واستهداف الإرهابيين من حماس، فمرسي يقوم الآن بدور حافظ عملية السلام العربي الاسرائيلي بينما تركز العيون الأمريكية على تجاوزاته الديكتاتورية، وهذا هو بالضبط الدور الذي كان يلعبه مبارك.

ويتابع “ستوك” في تقريره بقوله أنه في الواقع.. منذ انضمام مرسي للإخوان المسلمين خلال أيام دراسته للهندسة في جامعة جنوب كاليفورنيا في الثمانينات، أصبح مرسي جزء من منظمة مكرسة لتدمير إسرائيل والولايات المتحدة على السواء، ويهدفون الى قتل جميع اليهود في العالم كتحقيق لمشيئة الله… ولعقود من الزمان قبل أن يصبح رئيسا لمصر، كان مرسي واحدا من القادة الرئيسيين في تنظيم الإخوان المسلمين، وكان هو المنفذ للأيديولوجية المتشددة التي أدت الى تطهير العديد من الأعضاء الأكثر انفتاحا في الجماعة، وتحدث في كثير من الأحيان عن إخلاصه لفكرة الجهاد وهلل له المتشددين من جماعته، كما تحدث عن تحرير القدس وغزة وهدد بالعقاب المخيف لليهود؛ وهذا الفكر المتطرف للرئيس مرسي يستحيل أن يتغير بعدما أصبح الآن رئيس الدولة، وقد قال أحد أعضاء البارزين في جماعة الإخوان في حوار تلفزيوني محلي أن مرسي لا يزال خاضعا تماما لأوامر المرشد الأعلى للجماعة محمد بديع، ولا ننسى أنه في أكتوبر 2010، أعلن بديع دعم الإخوان المسلمون للجهاد العالمي ضد إسرائيل وأمريكا، وكرر ذلك مرتين على الأقل منذ انتخاب مرسي رئيسا… أما مرسي نفسه فقد اشار الى اليهود بـ “أبناء القردة والخنازير”، كما قال مرسي أمام حشد من أعضاء وانصار الإخوان في مسقط رأسه بالزقازيق: “أيها الإخوة، يجب علينا أن لا ننسى أن نربي أبنائنا وأحفادنا على كراهية أولئك الصهاينة واليهود وجميع الذين يدعمونهم، كما وصف الرئيس الأمريكي أوباما بالكاذب، استنادا إلى فشله في الارتقاء إلى مستوى الوعود الكبرى من حسن النية تجاه المسلمين التي جاءت في خطابه في القاهرة، وهذه التعليقات تعكس العناصر الأساسية لفكر الإخوان وكذلك نظرة مرسي الشخصية لهذا الامر.. وقد أعرب ساعتها المتحدث باسم البيت الأبيض، عن استيائهم من هذه التصريحات وقائليها، ثم حاول ان يوضح أنه منذ توليه مهام منصبه، حاول مرسي ان ينفي انه كان يقصد ما قاله حقا.

ويقول ستوك في تقريره أن مرسي يحاول دائما أن يجعلنا نخدع أنفسنا في أمريكا حول من هو حقا وما هي أهدافه الحقيقية، حتى يشعر بالأمان الكافي لإسقاط القناع الذي يرتديه عند مواجهة الغرب؛ وحتى ذلك الحين، فإنه سوف يستمر في امتصاص كل المال والتكنولوجيا العسكرية من حكومتنا، ويجمع القوة التي تمكن من التحرر من الغرب وبدء تنفيذ مخططاطه، وفي الوقت نفسه، هو يتوقع 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي تم تأخيرها حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي الاقتصادي، بالإضافة الى 5 مليار دولار كمساعدات عاجلة من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى عدة مليارات من كل من المملكة العربية السعودية وقطر التي تعهدت باستثمار 18.5 مليار دولار في الاقتصاد المصري في السنوات القليلة القادمة، منها 2.5 مليار دولار سيتم تحويلها على الفور؛ وبالإضافة إلى ذلك، طلب مرسي 3 مليارات دولار من الصين ليتمكن من توسيع البرنامج النووي لمصر مع عرض المساعدة التقنية وغيرها من إيران.
فإذا كان مرسي قادرا على تحقيق هذه الترتيبات (التي هي أكثر أهمية لرؤيته الاستراتيجية من مشكلة استقرار الاقتصاد المصري)، فانه لن يحتاج للـ 1.6 مليار دولار من المعونة المشروطة في معاهدة السلام مع اسرائيل عام 1979 (باستثناء التكنولوجيا العسكرية الجديدة والصيانة). كما يمكن له الوصول إلى تلك نقطة أخرى قريبا.. فقرض صندوق النقد الدولي سيفتح له مزيد من فرص الائتمان، وفشل القرض لن يمنع الآخرين من محاولات دعم مرسي.

كما يؤكد أنه من الواضح أن مرسي اكثر ديكتاتورية من مبارك، لكن هذه الديكتاتورية لا يبدو أنها ترعب الجهات المانحة له، فهو يريد أن يمنح نفسه قوة وقدرات هائلة اكثر مما تمتع بها حكام مصر في خمسة آلاف سنة من الحكم الفرعوني، بينما يفعل الرئيس الأمريكي تماما كما فعل خلال المظاهرات المطالبة بالديمقراطية عام 2009 في إيران، حيث قال اوباما انه اتصل هاتفيا بمرسي للتعبير عن “قلقه” وحثه على إشراك المعارضة في الحوار !.. لكن لم تكن هناك أي تهديدات بالعواقب إذا لم يمتثل مرسي لذلك، ومع هذا نلاحظ ان اوباما طلب من الكونغرس تخفيض مليار دولار من ديون مصر لمساعدتها في أسوأ أزمة مالية في تاريخها الحديث والتي حدثت كضريبة اقتصادية للإطاحة بمبارك، وفي الوقت نفسه، ينتظر مرسي تسلم غواصات الفئة الثانية التي تعمل بالديزل والكهرباء من ألمانيا والتي تخشى اسرائيل منها بسبب انها سوف تستخدم لتهديد امدادات الغاز لها من حقول النفط في البحر الأبيض المتوسط.

ويضيف كاتب التقرير أنه من الواضح أن أوباما ليس السبب في جعل مرسي يتراجع قليلا فيما يصدر من قرارات ديكتاتورية، ولكن الاحتجاجات الضخمة التي تشهدها مصر منذ إصداره الإعلان الدستوري، والذي كان تراجع مرسي عنه لا معنى له بعد الحفاظ على الهدف الأهم من هذا الإعلان الدستوري وهوالتصديق على الدستور الإسلامي الجديد؛ وفي الوقت الذي يريد الجيش أن يبدو فيه كحارس محايد للأمة، فهو في الواقع حارس لمرسي واهدافه.
وبالتالي فبعيدا عن محاولات الولايات المتحدة لإقناع مرسي، حاول قادة الجيش دعوة المعارضة الى الحوار، وهو ما يردده مرسي نفسه في نداءات جوفاء، وبعبارة أخرى، فإن الجيش الذي تأمل الولايات المتحدة في أن يكون مراقبا على أي من تجاوزات مرسي، هو نفسه ببساطة لم يعد راغبا أو قادرا على لعب هذا الدور.

ويوضح التقرير أنه على النقيض من هذا البيان المصيري الذي اصدره أوباما والذي عجل بسقوط مبارك، لكن منذ تطهير مرسي للجيش في أغسطس من القادة الذين عينهم مبارك –ومن المفارقات ايضا ضغط واشنطن عليهم من أجل الإسراع في “الانتقال إلى الديمقراطية”، ومع التنويع له في المساعدات الخارجية وتخفيض ديونه لدى الولايات المتحدة، فمن المشكوك فيه أن أوباما لديه أي قدرة على القيام بذلك مرة أخرى، فهو لن يريد أن يستبدل مرسي، الرئيس المنتخب الذي أظهر انعدام تام للديمقراطية مع أن نصف المصريين على الأقل يرون أنه بالفعل فقد شرعيته !.

ويشير التقرير الى ما حدث من مرسي في افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك حين سُئل إن كانت مصر حقا لاتزال حليفا لأمريكا؟ في اشارة الى تصريحات نظيره الاميركي أن مصر لم تعد حليفا، والتي قالها قبل بضعة أيام في سخط نتيجة الاستجابة البطيئة لمرسي بشأن ما حدث من اعتداء على السفارة الأمريكية في مصر، فرد مرسي بأن هذا يعتمد على تعريف كلمة “حليف”.. وأوضح أنه في حين أن مصر لا تزال شريكا اقتصاديا أو سياسيا للولايات المتحدة، اما كوننا حليف عسكري فهذا لا وجود له في الوقت الحالي !..
ويقول “ستوك” أنه بالنظر إلى أن الغالبية العظمى من المعونة الأمريكية لمصر تذهب الى الجيش، فإن هذا الإعلان غير العادي من مرسي كان ينبغي أن يؤدي إلى مراجعة فورية للعلاقة الثنائية، وأضاف مرسي أنه من الأفضل ان نكون اصدقاء عن حلفاء.. (على الرغم من ان “صديق” هو ​​مصطلح يستهان بها دبلوماسيا).

ويضيف التقرير أنه في تصريح آخر صادم لمرسي خلال زيارته للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تحدث عن “كراهية مواطنيه على نطاق واسع” للولايات المتحدة.. ودافع مرسي عن حقهم في التعبير عن تلك الكراهية من خلال التظاهر خارج السفارة الأمريكية بالقاهرة، حيث قام المتظاهرون في خطوة مخطط لها مسبقا بمعرفة الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية بإعتلاء سور السفارة وحرق العلم الأمريكي ووضع علم تنظيم القاعدة بدلا منه.. وقد كذب مرسي حين ادعى انه يعمل على حماية السفارة، لكن هذه الإهانة لم تكن لتحدث تحت حكم مبارك.
كما كتب مرسي بالعربية على تويتر أيضا رسائل تحريض للمتظاهرين قال فيها: “ان النبي محمد – صل الله عليه وسلم – هو خط أحمر، من ينتهكه سنعامله كعدو”، وحسن سُئل مرسي عن “المكالمة الساخنة” حيث أعلن أوباما عن قلقه من تباطؤ مرسي في إدانة الحادث، رد مرسي بأن المحادثة كانت “دافئة وليست ساخنة”، وعندما سُئل عما إذا كان أوباما قد هدد بقطع المساعدات الأمريكية قال مرسي: “لم يكن هناك تهديد من أي نوع”.. وما لم يقله مرسي أن جزء من هذه المظاهرات كان بالفعل بسبب الفيلم المسيء للرسول، لكن الجزء الأكبر كان للمطالبة بالإفراج عن الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن المسجون لدى الولايات المتحدة والمسئول عن العديد من الحوادث الإرهابية وصاحب الفتاوي التي تبيح العنف وقتل المسلمين وغير المسلمين.

كما لم يقل مرسي أن الشخصية رئيسية في الاحتجاجات ضد السفارة كان محمد الظواهري، شقيق أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الحالي، والذي أفرج عنه مرسي شخصيا وأخرجه من السجن في مارس 2012 كما عفا عن العشرات من الجهاديين الأخرين الذين أدينوا بإرتكات عمليات إرهابية في مصر وأماكن أخرى، ومن بينهم مصطفى حمزة، الذي حاول اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1996، والخلية التي قتلت 58 سائحا وأربعة مصريين في الاقصر في 1997.

حكم الأقلية للأغلبية

ويتابع “رايموند ستوك” في تحليله للمشهد السياسي في مصر تحت حكم مرسي والإخوان بقوله أنه وعلى الرغم من تحذيرات المحللين السياسيين استمرار الاضطرابات في مصر، يفترض العديد منهم أن مصر أتمت أخيرا تحولها “الديموقراطية”، ومع ذلك، فإن النتيجة تحمل نوع من الهذيان المتوقع حول نوع وطريقة تحقيق هذه الديمقراطية، بينما انقسم المجتمع المصري الى هؤلاء المصريين الذين يقاتلون عبثا حتى الآن صعود المد الإسلامي، مع ظهور أكثر من مجموعة تندم الآن على حدوث الثورة وتعتبرها خطأ قاتل كان ينبغي أن يكون واضحا للغاية.

ومع ذلك.. يقول ستوك أن هناك بصيص من الأمل نشأ مع الانتفاضة العفوية التي بدأت في القاهرة وبورسعيد في 26 يناير الماضي، التي أطلقها الشعب الغاضب من صدور أحكام الإعدام بشكل غير متوقع، كما اجتاحت اعمال الشغب مدينتين أخريين في السويس والإسماعيلية… وجميع المدن الثلاثة هي الآن تحت حظر التجول لمدة شهر، وربما لقى اكثر من مائة شخص حتفهم في اشتباكات مع الشرطة… ففي المجتمع المصري، لا شيء – ولا حتى السياسة الثورية – يمكن أن تأجج مشاعر العداء بقدر شرف الأسرة وكرة القدم… ولأول مرة هناك تقارير موثوق بها عن إطلاق النار من مثيري الشغب المناهضة للحكومة في بورسعيد.
ومع ذلك، فإن الكثير من قوى المعارضة المناهضة لمرسي ​​نأت بنفسها عن هذه الأحداث، ومن غير الواضح إذا كان لجبهة الإنقاذ الإرادة السياسية للاستفادة من هذه الفوضى؛ لكن الأسوأ ربما يأتي من مجموعة الملثمين المسماة بـ “بلاك بلوك”، والتي ظهرت كقوة جديدة في مزيج من القوى الشبابية للوقوف في وجه أتباع “الرئيس التنفيذي” لمصر محمد مرسي، بينما يتحمل اتباع مرسي مسؤولية العديد من احداث سفك الدماء في الأزمة الأخيرة؛ كما تطور الأمر، بينما يتمثل التهديد الأخطر لمصر في التأثير على إيرادات قناة السويس مع تزايد الاحتجاجات الجارية، مما أدى الى خروج وزير دفاع مرسي اللواء عبد الفتاح السيسي، للتحذير في 29 يناير الماضي أنه ما لم يتم التوصل إلى نوع من التوافق السياسي في البلاد فإن الأوضاع يمكن أن تؤدي لأنهيار الدولة.

ويشير التقرير الى أنه حتى الآن، ومع تزايد المظاهرات واتساع نطاقها، فإنها ليست جديدة..  ففي الأسابيع التي سبقت الاستفتاء، مزقت مصر مظاهرات حاشدة واشتباكات عنيفة تركت قتلى من الجانبين الثوري والإسلامي، وطوال هذه الفترة أثبت الإسلاميين مرة أخرى انهم أكثر تنظيما، ولديهم الإصرار وكذلك عدم إظهار الرحمة في مواجهة معارضيهم..، فعلى الرغم صدمة المؤيدين لمرسي من انحياز مجموعات الألتراس الى جانب خصوم مرسي، إلا ان الاسلاميين كانوا هم الجهة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النارية باستثناء ما حدث في بور سعيد، وكذلك فالإسلاميين هم الوحيدين الذين اطلقوا عصابات من البلطجية والمغتصبين على معارضيهم، والذين اعتدوا على المسيحيين والنساء بشكل خاص، بما في ذلك الهجمات على النساء غير المحجبات بالإسكندرية؛ ورافق هذا حملة مزعومة لمنع جميع النساء غير المحجبات (الذي يفترض أن يكونوا من المسيحيون والمسلمين على السواء) من التصويت في تلك المدينة، بينما تتم العديد من الإجراءات التي تهدف لتغيير جوهر السلطة القضائية، وإستبدالها بهيمنة إسلامية والتي ستواصل على الأرجح الإنتصار المرسي !.

ويثير ستوك ملاحظة أن النسخة المكررة من الأنظمة الاستبدادية تظهر في الحكومة الاسلامية الحالية على نحو متزايد؛ ففي ديسمبر الماضي بدأ النائب العام التحقيق مع ثلاثة من قادة المعارضة ورؤساء جبهة الإنقاذ الوطني وهم: محمد البرادعي (الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية)، عمرو موسى (الرئيس السابق لجامعة الدول العربية) وحمدين صباحي صباحي (ناشط يساري جاء في المركز الثالث في الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية) بتهمة التحريض على قتل الرئيس مرسي !، والآن يحقق النائب العام مع المذيع الكوميدي باسم يوسف (وغالبا ما يسمى بـ”جون ستيوارت” مصر) بتهمة إهانة مرسي.. وذلك لتشويه سمعة شخصية عامة بارزة، وهي جريمة بمقتضى الدستور الجديد..!!.

ويتعجب ستوك في تقريره بقوله أنه ومع ذلك، وعلى الرغم من الطابع الإسلامي ​​والديكتاتوري العلني للإخوان المسلمين، فإن كل من أمريكا وأوروبا لا تزال داعمة له دون تمحيص، وينصب اهتمام صندوق النقد الدولي فقط على سياسات مصر الاقتصادية كمبرر للقرض، بينما لا يفرض الاتحاد الأوروبي أي شروط مسبقة على الإطلاق لمساعداتها، ويضيف ستوك أنه من المثير للصدمة، الا تفعل الولايات المتحدة شيئا بخصوص ذلك، وهي على عكس المؤسسات أخرى تقوم بتقديم مساعدات عسكرية لمصر، بينما اعضاء إدارة اوباما غافلون عن مخاطر استمرار هذه العلاقة مع النظام الديكتاتوري الإسلامي للإخوان المسلمين والرئيس مرسي، لكن وعلى العكس، قامت الولايات المتحدة بتمويله بطائرات F-16S بالإضافة لـ 200 دبابة أبرامز في علامة على دعم حكمه مرسي اكثر مما هو بالتأكيد.

المستفيدين من المذبحة

يخلص التقرير الى أن معاونة أوباما الدرامية والمستمرة إلى الإخوان المسلمين، والتي بدأت على أقصى تقدير في 2009، واستمرار ذلك طوال احداث الثورة في 2011 وخلال المرحلة الانتقالية وبعدها، يجعله في أقل تقدير “الراعي الرسمي” للثورة المصرية، وحتى للربيع العربي عامة. والواقع أنه يمكن القول ان هذه الظاهرة بأكملها لم تكن لتحدث بدونه… وبمعنى آخر، فإنها لم تكن لتبدء من دون الضغوط السابقة من أجل الديمقراطية في المنطقة في ظل سلفه جورج دبليو بوش. ويظهر ذلك في تفاخر اوباما في لقاءه على قناة CBS ببرنامج “ستون دقيقة” عندما قال: “أنت تعرف، عندما يتعلق الأمر بمصر، لو لم نكن اظهرنا موقفنا وإستعدادنا للقيادة، لكنتم رأيتم نتيجة مختلفة هناك..!، ووفقا لحديث اوباما مع تشارلي روز فإن مرسي يجب أن يشكر أوباما لتمكينه والإخوان من الحكم، لكن عرض مرسي لـ “الصداقة وليس التحالف” يشبه دعوة الأمريكيين إلى العشاء دون وجود قائمة للطعام.

ويختم ستوك تقريره بقوله ان المطلوب منا الآن هو أن نتناول طعامنا مع أعداء متنكرين في زي أصدقاء، ونقدم لهم وجبة قد دفعنا ثمنها من الكنز الخاص بنا، لكن ومع ذلك، هذه ليست مأدبة الغذاء، لكن وليمة الديمقراطية الزائفة التي تسمى الربيع العربي؛ فيجب أن نجلس على طاولة نقدمها نحن، ونُذبح بأسلحتنا الخاصة بنا ونحن نشرب نخب الإنجازات الكاذبة، وفي الوقت نفسه سيواصل مضيفينا من الإرهابيين السابقين احتفالهم على جثثنا.
ومرة أخرى كما قلت من قبل عشية فوز مرسي في معركته من أجل السيطرة على الجيش في أغسطس الماضي، لدينا الخيار مجددا، إما الاستسلام إلى سحر “الإسلاميين المعتدلين”، أو نبدأ في رفضهم بحكمة كما كنا في الماضي، وأن نعرف أن كل المساعدات والاعتراف الذي نعطيه لهؤلاء المتعصبين الماكرين، فقط سيفتح شهيتهم للمزيد، فمن كل التاريخ هناك درس واحد مستفاد: أن لا شيء يقولوه أو يقومون به من أجل خداعنا ومحو شكوكنا فيهم، يجعلنا ننسى في أي وقت من هم حقا، والى أي جانب كانوا ينحازون دائما.

 v      “رايموند ستوك” أقام في مصر لمدة 20 عاما، وهو كاتب سيرة الحائز على جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ، له سبعة كتب وحاصل على الدكتوراه في اللغات والحضارات الشرقية من جامعة بنسلفانيا، وقد يكتب مقالاته وترجمات في صحيفة فاينانشال تايمز، مجلة هاربر، هيرالد تريبيون الدولية، الشرق الأوسط الفصلية، وأماكن أخرى كثيرة وهو حاليا زميل في منتدى الشرق الأوسط.

 نشر بجريدة  الموجز- 11-3-2013

One thought on “علي الشرنوبي يكتب: سقوط القناع عن مرسي وظهور الوجه القبيح للإخوان

Leave a comment