علي الشرنوبي يكتب: تحلمون بعودة السائحين؟… عليكم بتغيير المصريين!

مؤخرا، فقدت مصر مصدرا هاما للدخل القومي، بعد فقدان السياحة وهروب السائحين، وإحجام الدول ورعاياها عن مصر ومطاراتها ومدنها السياحية، ووضعها على قوائم البلدان الأقل أمانا والأكثر خطرا على السائحين.

 وبالطبع تعالى البكاء والعويل على إقتصادنا – المنهار أساسا- ووقوعنا كضحية بين مطرقة الإرهاب وسندان الدول الغنية التي لا ترحم الفقراء أمثالنا، وتتحين الفرصة لتوجيه الضربة القاضية لإقتصادنا المترنح ولفرض سلطانها وإذلالنا و لي أذرعنا وأعناقنا..

 وربما كان هذا الكلام به مسحة من الحقيقة.. لكن دعونا نكون صرحاء مع أنفسنا ولنترك الأحلام والأوهام جانبا، ولنضع أيدينا على الأسباب “الحقيقية” لهروب السائحين، وتناقص أعدادهم بشكل مستمر سنة بعد أخرى، بغض النظر عن الإرهاب والمحاولات الإخوانية والداعشية وتحالف قوى الشر والمؤامرات الكونية على المسيرة السياحية المصرية، لإفشال المعجزات السياحية في بلادنا.. الى آخر تلك الكلمات الخالية من معاني حقيقية، وإخفاء رؤوسنا كالنعام لنعيش في الأوهام بأن كل شيء جميل وتمام، بينما الكل – غيرنا- يرى ويعرف أن كل شيء “انكشفن وبان”.

 وأنا هنا أتحدث عن تجارب وخبرات ذاتية وواقعية، ورؤية داخلية للمشاكل والأسباب الحقيقية للخيبة السياحية القوية، سواء الدولية أو حتى المحلية..

 ويؤسفني القول أن أول وأقوى عدو للسياحة ليسوا الدواعش ولا الإخوان، ولا الغرب وإسرائيل والرأسمالية العالمية، بل هو الشعب المصري بنفس ذات نفسه ونفسيته، وأؤكد أن الأحداث الأخيرة عجلت فقط بتوقف قدوم السائحين، الذين كانوا سيتوقفون عن المجيء من أنفسهم، حتى لو كنا أكثر البلدان أمنا وأمانا وبعدا عن الإرهاب.

 إنه الشعب نفسه يا سادة، من إسلوب وتفكير وتعامل، وعدم فهم وتقدير لهذه الثروة التي منحها الله لبلاده، وكم الجهل والإستخفاف والإستظراف والفهلوة والذكاوة والطمع وقلة الوعي وإنعدام الضمير وطول اليد واللسان وقصر النظر والعشوائية وإنعدام الذوق ومبدأ الإستغلال والتعامل مع السائح بمبدأ نضرب ونجري، كما يتعامل النشال مع الموظف أول الشهر، والتعامل كأن السائح ليس كائن بشري، بل هو دولار يمشي على قدمين، ويجوز صرفه وبيعه واستغلاله وعمل أي نوع من البيزنس عليه، فهو غبي وبلا مشاعر ولا يهم حتى لو تضايق او تفاعل أو فهم أننا “نشتغله” وننصب عليه، المهم ان نعمل المصلحة ونطلع منه بالسبوبة ونقلب أمه في القرشين ونديله على قفاه وميلزمناش تاني (!).

 

 أما اذا كان العامل في السياحة أكثر حنانا ورومانسية، فيكون هدفه هو الإستيلاء على صاحبة السائح والنوم معها بأي طريقة وإعطائه درسا لا ينساه في فحولة الشاب المصري وقدرته على الإيقاع بالنساء من العازبات أو الصاحبات أو حتى زوجات السائحين، وإنطلاقا من مبدأ أنه لن يستطيع السائح أن يتكلم أو يعترض، فهو في بلدنا ووسطنا ويشعر بضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس، وإذا أبدى إعتراضا أو حاول الدخول في المشاكل.. هيطلع (…) أمه، عشان يحرم يعمل فيها راجل وعنده إحساس ونخوة وغيرة على حريمة، فالرجال الأجانب كلهم خوا…جات ونسائهم كلهن عاهرات ونحن رموز للرجال الفحول في هذا الكون.. وهنا تتجلى المقولة الساخرة التي تقول عن بعض العاملين في هذا المجال أنهم (من الفلاحة للسياحة).

 

 أما إذا لم يفلح هذا ولا ذاك، ولم نستطع إخراج النقود منه بمزاجه أو خطف إمرأته منه وعمل المصلحة بالذوق وبسهولة، فهنا تأتي الخطة البديلة (Plan B)، وهي تقليب السائح في أي شيء، موبايل ماشي، نظارة شمس وماله، شنطة أو جزمة أو حتى تي شيرت مفيش مانع، وفي البداية نحاول الحصول على هذه الأشياء باللجوء لأسلوب إحراجه بالطريقة، فإن لم يستجيب فهناك اسلوب التقليب، أو النصب أو السلف مع عدم الرد، أو الوعد والإتفاق على الشراء والهروب عند الدفع، المهم الوصول للهدف والغاية تبرر قذارة الوسيلة.

 

 ناهيك عن عمل فئة من الناس المسماه بـ”الخرتية”، وهي كالنباتات المتسلقة والوصولية، “تلزق” للسائح اينما تراه وبأي حجة واسباب واهية، ويتطوع ليكون مرشدا سياحيا ودليلا “بالعافية”، وبالطبع تستمر النصبات واستخراج المصالح والعيش على قفا السائح ما دامت العلاقة مستمرة، ويا حبذا لو كانت سائحة، يبقى فلوس وجنس وتباهي أمام الشباب الآخرين بجمال وحلاوة “صاحبته الجديدة”، أو كانت عائلة كاملة وهنا يجد مصادر عديدة لعمل المصلحة و”الخرتنه”، ويحدث هذا تحت سمع وبصر الشرطة بفئاتها الأمنية والسياحية عادي جدا.. ولهؤلاء الخرتية مجتمعات وتجمعات وأماكن وقهاوي وشوارع للتلاقي وتبادل الخبرات والمعلومات وآخر الإنتصارات والضحكات على سذاجة هؤلاء السياح والسائحات، الذين قادهم حظهم العثر للقدوم لهذه البلاد والوقوع في براثن هؤلاء الشباب.

 

 وبمناسبة ذكر الشرطة، فمن المناظر العجيبة أيضا أن ترى بعض العساكر والأمناء بل وأحيانا الضباط، وهم يحدقون في أجساد الفتيات السائحات وتكاد أعينهم تخترق الملابس لترى ما تحتها وترى نظرات الشهوة في أعينهم، ويتبادلون الغمزات والضحكات على هؤلاء الأجنبيات، وربما ترجم البعض تلك الأفكار والنظرات إلى التحرشات أو اللمسات، مع تأكده أنه فوق القانون وفي حمايته ولن يقدر أحد على لومه أو معاقبته، وأن السائحين أجبن وأكثر خوفا من ترجمة ما يشعرون به من مضايقات الى شكاوي رسمية وكلمات علنية، فهن جئن للإنبساط وليس للدخول في مشاكل ومهاترات يعلمن جيدا أنهن لن يأخذن حقا ولا باطل من الدخول فيها وتضييع أوقاتهن الثمينة في الأقسام وعمل المحاضر والمذكرات.

 ناهيك بالطبع عن ذكر ما يحدث للسائح عند سيره في أيا من شوارع المحروسة، من مضايقات واستظراف ونظرات وتدقيق وتفحص وتمحيص لهذا الكائن القادم من الكواكب الأخرى والفضاء الخارجي، وما يتعرض له من هزار سخيف ومحاولات للدخول معه في اي كلام من باب الإستظراف واستخفاف الدم وللضحك معه وعليه والسخرية منه واليه، ولا يفوتهم بالطبع التقاط الصور مع ذلك المخلوق الفضائي، وياحبذا لو كان من النوع الأنثوي الفتاك، الى تعامل سائقي التاكسيات ونوادل المطاعم والجرسونات، والتفرقة في الأسعار والمحاولات المستميته لإخراج أكبر قدر من جيوبه ولأي نوع من الاموال، وفي بعض الحالات –القليلة بصراحة لكنها تحدث- تتجلى العنصرية البغيضة أحيانا، ويتم التعامل معه على أنه كائن أقل بشرية وكافر ونجس ومقرف ومكانه الحتمي والطبيعي ليس هنا بل في الدرك الأسفل من النار (!).

 سائحة روسية تم اغتصابها في شرم الشيخ
((سائحة روسية تبكي بعد تعرضها للاغتصاب في شرم الشيخ!))

 هذا وأكثر مما لا حصر له، هو بعض ما يحدث على المستويات الفردية والتعاملات الشخصية، أما على المستوى الرسمي والحكومي فبالطبع تجد التمييز الشديد في الأسعار، فإذا كان المصري في أي متحف أو مزار سياحي تهيمن عليه الحكومة يدفع – مثلا- 2 جنيه للدخول بينما الأجنبي تكون تذكرته بـ 20، وهكذا في كل مكان فقط لأنه أجنبي، يعني حقيبة نقود أو بنك متحرك، واذا كان هذا هو المسلك الحكومي والرؤية الرسمية للدولة، فبالطبع نجد الشعب يسير على نفس الفلسفة في التعامل، في الأكل والملابس والمواصلات والسكن وكل شيء يدفع فيه السائح اضعافا مضاعفة، وهذا من الأمور التي تتميز بها مصر عن سائر دول الأرض جميعا، والسائح أيضا يعلم ذلك تماما ممن سبقوه بالقدوم الى مصر، فيكون من أول الأشياء التي يحاول تعلمها هي الأرقام بالعربي، ليعلم كم هي الفروق التي يدفعها وكم النصب الذي يتعرض له والتفرقة بين المواطنين الأبرار والسائحين الفُجار..!.. ويكون التطور الطبيعي للحاجه البارده، أن لا ترى وجهه مرة أخرى، وأن يذهب لبلاده لينصح أصدقاؤه ومعارفة ومن يسأله، أن يتخذ كل الحذر قبل قرار القدوم لمصر ومن الأفضل أن لا يأتي هنا أساسا، فهناك بلاد سياحية بالعشرات لا تفعل ذلك بل تفعل كل ما هو عكس ذلك.

 وكمثال، إذا ذهبت لتشرب شاي او قهوة او حتى عصير قصب مثلا في شرم الشيخ، وسألت البائع كم ثمنه، سيشير لك بالسبابة أن الثمن “واحد” جنيه، فلو دخل بجوارك أحد السائحين وسأله بكم نفس العصير، فسيشير له ايضا بإصبعة أن الثمن هو “واحد” أيضا.. لكن (يورو)!!.. أي أكثر من ثمانية جنيهات.. وهذا في أقل وأتفه الأشياء، وأترك لك معرفة إحساس السائح عند تطبيق نفس السلوك على كل المستويات.

 وإذا وجد البعض حجة للمصري الذي يعيش في الأماكن الأقل إحتكاكا بالسائحين والأكثر جهلا بالأسس والمبادئ المفترضة في البلدان السياحية، فتعالى لنرى سلوكيات الآخرين في المدن السياحية، كشرم الشيخ والغردقة ودهب وما شابه، ستجد أن الإسلوب السائد هناك هو كالتالي:

أمام كل مطعم أو كافيتريا تجد بعض الشباب الذين يلحون على السائح ويدعونه للدخول، ولك أن تتخيل عندما يكون هناك عشرون أو ثلاثون كافيتريا متجاورين، وأمام كل واحدة شاب او اثنين يستظرفون ويحاولون جذبك للداخل، وطوال الطريق تجد نفسك مطالب بأن ترد على هذا وترفض دعوة ذاك وتقف لدقيقتين أو ثلاثة للرد على كل شخص يردد نفس تلك الدعوات وبنفس الكلمات، وإذا رفضت أو لم ترد على تلك السخافات، تنهال الشتائم على رأسك تباعا، ويسخرون منك ويضحكون عليك ويتغامزون ويتلامزون ويسيئون اليك، ثم يتكرر نفس الأمر في طريق العودة، وطوال الوقت أينما ذهبت… وأترك للقاريء الحكم على شعور السائح والأفكار التي تجتاح عقله وإحساسه.

هل تعتقد أن الصورة التي انقلها لك سوداء ومتشائمة وتثير اليأس من إصلاح الحال، أو تشعر بالتحامل والمبالغة في وصف ما يحدث؟، إذن دعني اؤكد لك أن هذا مجرد عشرة بالمائة مما يحدث في الحقيقة، وأن تلك المشاهد وأكثر تحدث عبر مدن مصر كلها السياحية منها والغارقة في المحلية، ناهيك طبعا عن القذارة والزبالة المنتشرة بالشوارع وحول الفنادق والمنتجعات والتي يراها ساكني الفنادق فوق أسطح المنازل المجاورة، غير جحافل الكلاب والقطط الضالة التي ترعب السائحين وتشاركهم وجباتهم وحتى غرفهم، والكثير مما لا مجال لذكره هنا فقط لكيلا يشعر القاريء بالملل ومراعاة لوقته وحياته التي قد تضيع منها أياما إذا اسهبنا في شرح وبيان الصورة الكاملة لوضع السياحة والسائحين في بلدنا المحروسة.

وأخيرا وليس آخرا، هناك فكرة عجيبة لدى القائمين على السياحة، أنهم يستهدفون فقط السائح الغني الثري الذي يأتي خلال شركات تحدد له برنامج الرحلة وتقرر له تفاصيل حياته، وهؤلاء على الأغلب يكونون من السائحين العواجيز والغير محبين للمغامرة ولا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بالإستكشاف، ولديهم فهم معين لمعنى السياحة والمغامرة والتجربة، لكن المصيبة أن هناك أنواع أخرى من السائحين ترفض بلدنا الإعتراف بهم أو تقديم الخدمات المناسبة لهم، وهو السائح الأقل ثراء والذي يحب أن يأتي بحقيبته على ظهره ويتعامل ويستكشف البلاد والأماكن والثقافات والعباد، هؤلاء لا تريدهم الحكومة المصرية ولا ترحب بهم وتلفظهم وتكاد لو تستطيع أن تمنع دخولهم، وأتذكر أنه وحتى فترة التسعينيات، كانت المدن السياحية الأقل سعرا مثل دهب ونويبع على سبيل المثال، كانت تكتظ بالسائحين من تلك النوعية ومن الشباب والمغامرين والمحبين للطبيعة والإستكشاف، لدرجة أنه كان من الصعوبة في كثير من شهور السنة أن تجد مكانا للمبيت أو طاولة شاغرة في مطعم أو حتى تذكرة أتوبيس، لكن ولأن وزارة السياحة وتفكير القائمين عليها تعتبر أن هذه النوعية من السائحين “معفنين” ولا يستحقون الإهتمام أو أن نقدم لهم الخدمات السياحية كغيرهم، وليس من حقهم كضيوف وسائحين أن يكونوا على قدم المساواة مع قاطني الفنادق الفاخرة ذات النجوم اللامعة، فبدأت هذه النوعية من السائحين في “الإنقراض”، ومع توجيه الإهتمام فقط للمدن الفاخرة كشرم الشيخ والغردقة، وإهمال المدن الأقل حظا كدهب ونويبع وغيرها، تخلى هؤلاء السائحون عن القدوم لبلادنا، وفضلوا الذهاب لبلدان أكثر تقديرا ومساواة وترحيبا بهم، وأقل “إحتقارا” لهم، وخلت تلك المدن من سائحيها إلا البعض القليل ممن يأتون لممارسة الغطس أو الشراع وكفى، وبالتالي أغلق الكثير من أصحاب الأماكن السياحية أعمالهم ومحلاتهم، وتحول البعض الآخر الى مراكز للغطس تتشابه كلها وتتنافس على العدد المحدود من السائحين، حتى أصبح عدد نوادي الغطس أكثر من عدد الغطاسين، وعدد الفنادق أكثر من عدد المقيمين، والعاملين المصريين أكثر من عدد السائحين، بفضل عبقرية وإنتقائية القائمين على أمور السياحة، وتحديد نوعية السائحين وحصرها في الأغنياء والعواجيز وأصحاب الحظوة والحظ، رغم أنه بقليل من التفكير سنعرف أن هؤلاء الشباب الـ”معفنين” هم أبناء وأحفاد هؤلاء الأثرياء، وأنهم سيذهبون لبلادهم وينقلون ما رأوه كله للسائحين الآخرين “المحتملين”، وأنه بناءا على ما سينقلونه من صورة إيجابية سيأتي أهلهم وأصحاب أعمالهم والأثرياء من أصدقائهم، والعكس صحيح تماما، وبتفكير أكثر، سنجد أن هذه النوعية من السائحين ربما لا تنفق الكثير في الإقامة والمظاهر الفارغة، لكنهم بالتأكيد ينفقون في أشياء أخرى كثيرة ليستفيدوا أكثر بنقودهم ويستمتعوا أكثر بأوقاتهم وممارسة أنشطتهم الأكثر بكثير من متعة التواجد في حجراتهم الفاخرة، وسنعرف أن مئات بل وآلاف الشباب وأصحاب المنشآت السياحية الصغيرة كانوا يسترزقون ويكسبون ويخلقون فرص عمل كثيرة من وراء هؤلاء السائحين “المعفنين”..!

إذن وبإختصار، ما هو الحل، وكيف الخروج من ذلك المأزق الذي وضعنا به أنفسنا ووصلنا اليه وجنيناه على أنفسنا ولم يجنُهُ علينا أحد؟

وهل يكفي أن نظل نغني ونرد على أنفسنا بأننا بلد سياحي، وأن لدينا ثلث آثار العالم، وأن مصر هي فجر التاريخ وأقدم حضارة عرفتها المجرة.. وأننا شعب مضياف وودود وأن مصر بلد الأمن والأمان.. الخ.. الخ ؟.

أولا وثانيا وعاشرا، التعليم والتثقيف للأجيال الناشئة عن أهمية السياحة وطريقة معاملة السائحين، وما يجب وما لا يجب فعله، وما نفعله ونقبله نحن لكن لا يحبه ولا يقبله الآخرين.. ناهيك عن اللغة السليمة والبدء بالأساس وهم المعلمين، ففاقد الشيء لا يعطيه، والمعلمين أنفسهم بحاجة الى تعليم، إنها يا سادة اختراعات حديثة أصبحت غريبة علينا، اسمها الثقافة والتربية والعلم والتعليم.

وكما يجب تعليم الطلبة والمعلمين، يجب أيضا إعادة تأهيل العاملين بوزارة السياحة ورؤساء المدن السياحية وأفراد وضباط شرطة السياحة، الذين نادرا ما تجد أحدهم “بيرطن” بالإنجليزي، ومحاولة جذب السائحين من الشباب والأقل حظا في الحياة من غير الأثرياء والمليونيرات والهاربين من عزرائيل ودور المسنين، ولن يتأتى ذلك إلا بتغيير الفكر والفلسفة التي يعمل بها أصحاب القرار السياحي والمحافظين، ووضع أكشاك لخدمة السائحين في الميادين العامة ومحطات المترو والأماكن السياحية، تقوم بإعطاء خرائط ومعلومات “مجانية” وأكرر “مجانية” للسائحين، والتخلي عن سياسة شفط ما في جيوب السائحين والنظر اليهم كآدميين وليسوا دولارات تسير على قدمين.

وبعد ذلك يجب وضع رقابة صارمة على أفعال العاملين في السياحة، بداية من اليونيفورم أو الزي الذي يرتدونه، مرورا بالأسعار الموحدة للأجانب مثل المصريين، والقضاء على عصابات الخرتية والفهلوة واستغلال السائحين ومطاردي الفتيات وصائدي السياح “المغفلين”، وتفعيل دور الكيانات الصغيرة مثل جمعية أصدقاء السائح وغيرها وإعطاءهم بعض السلطات أو المميزات.

تلك الخطوات المبدئية تليها خطوات أخرى لتحسين الأماكن التي تستقبل السائحين، والتخلي عن فكرة حصر السياحة في الآثار والبحار والكباريهات والقمار، فهناك أنواع سياحية أخرى كثيرة وهبنا الله إياها، فقط تحتاج إلى إعادة التعريف والإهتمام بها وإعادة اكتشافها والدعاية المحترفة والحقيقية لها، ولن يتم ذلك بذهاب بعض الفنانين المجهولين حتى في مصر لشرم الشيخ، أو عمل وقفة للقضاة وعائلاتهم على نفقة الدولة في المطار والتقاط الـ”سيلفي” مع بعضينا، أو ببث إعلان في القنوات المصرية الشديدة المحلية وتخيل أن الأجانب كلهم سيشاهدوها ويفهموها ويجروا لتحضير حقائبهم سريعا لكي يجدوا مكان حتى لو “نتشعبط” على سلالم الطيارة عشان الإعلان المصري اللي بيتكلم فيه واحد مصري باللغة المصرية على القناة المصرية قال ان مصر حلوة… بصراحة حاجه “تكسِف” أن تعرف أن إسرائيل التي لم تكن على خريطة السياحة أصلا حتى وقت قريب، لتجد أن عدد السائحين بها أكثر ممن يأتون لمصر في العام، رغم عدم وجود أي مؤهلات السياحية كالتي لدينا، لكن لديهم شيئان نفتقر اليهما ونحتاجهما بشدة.. المخ والضمير.

فإن لم تفعلوا.. ولن تفعلوا، فلا تبكوا ولا تولولوا ولا تدعوا أنكم ضحية للمخططات الأجنبية التي ينفذها عملاء مجلس إدارة العالم، وتستمتعوا بنسج ولبس نظريات المؤامرة، وأن العالم كله تكاتف لتخريب السياحة المصرية التي تمثل خطرا على كل الدول السياحية الأخرى، وأنه لولا تلك “البمبة” التي فرقعها “الواد بقلظ” في الحارة لكنا اكتسحنا وتصدرنا المراكز الأولى على المجرات الكونية وحصلنا على الجائزة قبل الأولانية في جودة ولمعة ما نقدمه من الخدمات السياحية، بسبب توجيهات وعبقرية السيد اللواء الوزير الدكتور المحافظ المسئول عن السياحة والآثار والصحاري والبحار…

والحل الثاني الأسهل.. هو أن نقوم بتغيير الشعب نفسه ونستورد شعب آخر في حاويات من الصين.

Leave a comment