يبدو أن تأثير جماعة الإخوان المسلمين لم يعد يقتصر فقط على مصر أو الدول العربية، وإنما تعدى الإهتمام بهم تلك المنطقة ليمتد الى الجامعات ومراكز البحث الأمريكية، التي أصبحت في حيرة من تلك الجماعة، فلا يجمع الباحثين هناك على كونها جماعة سياسية سلمية أم أنها تنظيم إرهابي محظور، ولم يعد أحد يعلم هل يمكن قبول تلك الجماعة كممثل عن تيار الإسلام السياسي كجماعة وسطية معتدلة ومنفتحة على الآخر، أم أنها تتخذ من تلك الشعارات واجهة وقناع يخفي من تحته وجهها الحقيقي القبيح والذي يتخذ من العنف وسيلة ومنهج وأقصر الطرق لتحقيق أهدافها ومآربها وإخافة منافسيها وإزاحتهم عن طريقها.
وربما كان مستقبل تلك الجماعة بعد الأحداث التي شهدتها في الأعوام القليلة الماضية والتي لاتزال أصدائها تتردد حتى الآن هو أكثر ما يحير الجميع، سواء المراقبين والمحللين للجماعة، أو حتى لأعضائها ومريديها وشبابها قبل قياداتها، ولايقتصر البحث في مستقبل الجماعة على بلدها الأصلي ومقر قيادتها ومرشدها الذين يقبعون حاليا خلف أسوار السجون، لكن وبما أن الجماعة تتواجد في أكثر من 80 دولة حول العالم، فيصبح ذلك التساؤل مرتبطا بوجود الجماعة ونشاطها في كل تلك البلدان، وربما كانت منطقة الخليج هي أهم أماكن تواجد جماعة الإخوان وأكثرها حرصا من جانبهم على إستمرار وجودهم وتوسعهم وتثبيت أقدامهم فيها، وبالطبع للجماعة أسبابها ودوافعها للحرص على التواجد بمنطقة الخليج العربي خصوصا والشرق الأوسط عموما، وكذلك الحرص على ضمان استمرارها في المستقبل وعدم خسارة ما استطاعت الجماعة ربحه والحصول عليه خلال العقود الماضية منذ نشأتها وحتى الآن.
تلك الحالة والموقف الذي تجد الجماعة فيه نفسها الآن بعد إقصائها عن الحكم في مصر إعتبارها جماعة ارهابية في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات وغيرهم من البلدان الأكثر أهمية للإخوان، هو ما دفع الباحثة الأمريكية كريستين سميث الأستاذة والمحاضرة بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة، الى كتابة ذلك البحث الهام عن مستقبل الجماعة في منطقة الخليج العربي وما يتوقع لها من مكاسب وخسائر في الفترة القادمة وسواء على المدى القريب أو البعيد.
تقول سميث أن جماعة الإخوان تمر حاليا بالمرحلة الأكثر صعوبة في تاريخها منذ فترة حكم عبد الناصر، لكن خلافا لحقبة الخمسينات الستينيات من القرن الماضي، لا يمكن للإخوان حاليا الاعتماد سواء على الدعم السياسي الشعبي ولا على أن تجد ملاذا آمنا في ممالك وإمارات دول الخليج العربي، ففي ظل حالة العداء الحالية بين أهم أعضاء مجلس التعاون الخليجي وهم الإمارات والسعودية وبين إمارة قطر وهي الدولة الأكثر دعما وموالاة للإخوان والتي حسمت تقريبا لصالح الدول والقوى المناهضة للإخوان،بالإضافة الى التحديات الكبيرة التي يواجهها الإخوان في منطقة الخليج وتتمثل في إزدياد عدد كوادر الشباب الساخطين بشكل مستمر وكذلك إنجذاب شباب الجماعة تجاه الجماعات السلفية التي تعتبر منافسة لها، كل تلك الظروف والأجواء الحالية تجعل من المستحيل على جماعة الإخوان المسلمين الحفاظ على مستواها السابق من قوة النفوذ الاجتماعي والسياسي داخل دول الخليج.
وتوضح أن جماعة الإخوان لديها تاريخ طويل ومؤثر في الخليج العربي، وذلك منذ أن حضرت إلى المنطقة خلال الأيام الأولى لنشأة الإخوان، وتم ذلك في بعض الحالات من خلال الاتصالات الشخصية مع مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا شخصيا، كما عمقت الجماعة من وجودها في فترة الخمسينات والستينات كنتيجة للحملات والمداهمات المستمرة على مقرات ومراكز أنشطة الجماعة في مصر وسوريا على السواء، مما أجبر نشطاء الجماعة على طلب اللجوء في دول الخليج، ومن المؤكد أن الجماعة وجدت في تلك البلاد فرصة لتقوية نفسها وتعميق نفوذها بعد أن وجدت الحكومات المختلفة فيهم حلفاء مناسبين في مواجهة تيار القومية العربية المتصاعد بقوة في تلك الأيام، وصاحب ذلك التوسع السريع في وزارات ومؤسسات تلك الدول في فترة نموها التالية لإكتشاف كميات هائلة من النفط فيها، ووجد الإخوان في ذلك فرصة لتنظيم أنفسهم في كيانات وشبكات غير رسمية وحيثما أمكن قاموا بإنشاء التجمعات من أجل الإصلاح الاجتماعي بالتوازي مع الجمعيات الخيرية الإسلامية. وفي الدول التي كانت لديها المؤسسات السياسية والبرلمانات النشطة مثل الكويت والبحرين على سبيل المثال، شكل الإخوان بعض الكيانات السياسية التي أصبحت تنافس في الانتخابات وإكتسبت أهمية سياسية كبيرة في فترة التسعينات، وفي حين أن تجربتهم كانت تختلف بشكل كبير من بلد إلى آخر، فمن الإنصاف القول أن الجماعة لعبت دورا كبيرا في تشكيل المجتمعات الخليجية، وكان لها تأثير كبير على السياسة الوطنية في الدول التي تواجدت ونشطت فيها.
لكن وعلى الرغم من هذا التحليل للكاتبة عن الدور المحوري للجماعة، كان نفوذ الإخوان في الخليج يجد منافسة كبيرة ومتزايدة تمثلت في دخول السلفيين في السياسة في الثمانينات، ووجدت الجماعة في خصومها الاسلاميين الجدد منافسين أقوياء، بل وحتى أنهم أحيانا تجاوزوا الإخوان وتفوقوا عليهم في الانتخابات البرلمانية وفي الوظائف الحكومية وفي التأثير المجتمعي، حتى جاءت فترة الألفية والتي شهدت مواجهة قوية بين الإخوان والسلفيين الذين دائما ما كانوا يقومون بانتقاص قيمة الجماعة ويتهمون أعضائها بالانتهازية السياسية ويقومون بالتشكيك في مدى التزامهم بالعقيدة الإسلامية وفي رغبتهم في تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي نفس الوقت الذي تواجه فيه الجماعة منافسة من التيار السلفي، نجد أنها تواجه أيضا التحديات في تجنيد جيل الشباب، وعلى النقيض من الشبكات السلفية الغير رسمية، نجد لدى الجماعة بنية هرمية على أساس احترام الشيوخ والامتثال لقرارات الجماعة، وقد ظهرت محاوات الإخوان لقبول الآخر والتقدم وايجاد البدائل لإشراك الجمهور والترفيه خارج المجتمعات الدينية ومحاولاتهم في التوسع في الأماكن العامة مثل المطاعم والمقاهي ومن خلال وسائل الاعلام الاجتماعية أكثر تعقيدا وإزعاجا للجيل الجديد من الشباب، كما أن الانفتاح والتنوع في وجهات النظر وتوسيع وسائل الاعلام زاد من سخط الشباب وعدم التزامهم بالسرية والانضباط؛ كما زاد الغضب بين بعض الشباب نتيجة شعورهم بعدم رغبة الجماعة في تبني أساليب أكثر قوة ووضوحا لتحقيق التغيير السياسي الذي يحلمون به.
ويمكن رؤية مؤشرات الإحباط بين جيل الشباب في صفحات ومدونات الشباب المستقلة على الإنترنت، كما تتضح في إصدار شباب الجماعة وكوادرها البيانات المستقلة واتخاذهم بعض المواقف التي تتباعد عن مواقف المنظمة نفسها وظهور أعضاءها السابقين من الشباب بين المنظمات المعارضة في الخليج وفي الشبكات التي ظهرت في الوقت التالي من الثورات العربية بداية من عام 2011، وفي الوقت نفسه، مكنت وسائل الاعلام الاجتماعية الشباب من إيجاد وسائل جديدة لتنظيم أنفسهم خارج المنظمات الإسلامية، وتمكين الحركات الشبابية غير التابعة لأي من المنظمات والجماعات القديمة أو التقليدية في الخليج من التواجد وإكتساب تعاطف الشباب.
وقد بدأت المنظمات التابعة للاخوان في الخليج في التكيف مع هذه التغييرات والتطورات الثقافية، والدليل على هذا التغيير يتمثل في الحد من شروط تجنيد الشباب الجدد التي تضعها شبكات الإخوان في السعودية؛ وكذلك انتشار برامج التطوع المفتوح في منطقة الخليج، واللجوء لبعض الأدوات الجديدة لالتقاط شريحة أوسع من الشباب، مثل استخدام الفيديو والموسيقى الشعبية في الدعاية للجماعة، والبرامج الجديدة التي وضعت خصيصا للشباب داخل الجماعة، ومع ذلك، يظل التحدي والهوة بين الأجيال في إتساع.
وبالإضافة إلى هؤلاء المنافسين الجدد والتحديات الجديدة، واجهت الجماعة بيئة أقل تسامحا في منطقة الخليج منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، زاد حجم التدقيق الدولي من الحركات الإسلامية وتمويلها، كما بدأت الأسر الحاكمة الخليجية في تغيير وتحويل حساباتهم السياسية، وقد بدأ هذا النوع من إعادة التفكير في المملكة العربية السعودية في منتصف التسعينيات عندما واجهت الأسرة الحاكمة السعودية التحدي الأخطر لهم منذ عام 1979 في شكل الصحوة الإسلامية أو “الصحوة” التي تحدتهم علنا، وإن كان ذلك ينحصر في كم من التعبئة المحدودة، لكن أصبح واضحا أن العائلة الحاكمة بدأت تعرب عن استيائها من جماعة الإخوان وتحملها سبب هذه المشكلة كنتيجة لتسييس الإخوان للدين، وإتضح ذلك في تعليقات وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز آل سعود في عام 2002، والتي جاءت معظمها محملا فيها جميع المشاكل في المملكة على خيانة الإخوان، وفي الوقت نفسه، أفرزت الخلافة السياسية في كل من الإمارات والكويت قيادة جديدة أقل تعاطفا وأكثر عدوانية نحو تنظيم الإخوان المسلمين.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن هناك بعض الاستثناءات لهذا الاتجاه، مثلما كانت القيادة القطرية داعمة للإخوان، وكانت القيادة البحرينية تحتاج إلى دعم من
الإسلاميين السنة لمواجهة المعارضة الشيعية، ومع ذلك، عندما بدأت الثورات العربية واتجهت في البداية لتمكين الإخوان، كان حسن النية بين زعماء دول الخليج غائبا وكانت عدم الثقة سائدة بقوة.
وفي أثناء ثورات الربيع العربي، حاول الإخوان في عدد من دول الخليج استخدام موجة التعبئة الشعبية لإنشاء قيود سياسية جديدة على الأسر الخليجية الحاكمة، وانضم أعضاء الإخوان الى المطالب العامة في الإمارات والسعودية التي تدعو إلى إصلاحات سياسية تشمل عمل انتخابات المجلس الوطني الاتحادي ومجلس الشورى. وفي الكويت، تواجد الإخوان على الدوام في ائتلاف الجمعيات السياسية المطالبة في البداية باستقالة رئيس الوزراء، والمطالبة في وقت لاحق بعدد من التعديلات الدستورية لزيادة تمكين البرلمان من إنشاء نظام ملكي برلماني كامل.
وكنتيجة عكسية لتلك التحركات من جانب الجماعة، بدأت الحملة على الإخوان في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث اعتقلت الحكومة ما يقرب من 100 من أعضاء الفرع الإماراتي للجماعة بتهمة “تشكيل منظمة سرية تقوم بالتآمر لقلب نظام الحكم”. وقد انتشر هذا الموقف المتشدد عبر الخليج بالتوازي مع الإطاحة بحكومة الإخوان ورئيسها محمد مرسي في مصر، وكان نشطاء الإخوان في كل من السعودية والكويت يعلنون انتقادهم لدعم حكوماتهم السياسي والمالي للحكومة الجديدة ذات القيادة العسكرية في مصر، كما أن الجماعة كانت داعمة بشكل علني للمتمردين في إشعالهم وتعميقهم للحرب الأهلية في سوريا، ومن المرجح أن كلا الموقفين ساهما في قرار الحكومة السعودية اعتماد قانون مكافحة الإرهاب الجديد في بداية 2014، والذي اخذ خطوة غير عادية بتسمية جماعة الإخوان المسلمين تحديدا بين قائمة الجماعات الارهابية المحظورة، تلاها في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة مع إصدارها قانون مكافحة الارهاب الخاص بها في نوفمبر 2014، وكذلك تم تعيين جماعة الإخوان رسميا وما يتبعها من منظمات المجتمع المدني في الغرب كواحدة من المنظمات الإرهابية، وقد تعرض عدد من الدول الغربية أيضا لضغوط من الإمارات والسعودية لكي تحذو حذوها في حظر الجماعة، مما أدي في النهاية إلى فتح تحقيق رسمي لأنشطة الجماعة في بريطانيا.
تلك الحملة السعودية الإماراتية المشتركة لنزع الشرعية وتقليل، إن لم يكن تدمير، الإخوان، مورست بالتالي على الدولة الإقليمية الساذة والمنشقة عن وحدة الصف وهي قطر. ويمكن معرفة مدى قوة وعزم الإمارات والسعودية من أساليبهم المتشددة، بما في ذلك سحب سفراءهم من قطر والتهديد بالحصار الاقتصادي عليها، وقد تركزت مطالبهم من قطر على إنهاء دعمها للجماعة المحاصرة في مصر، كما تركز الضغط بشكل ملحوظ على وقف الدعم للمنشقين الإخوان في منطقة الخليج تماشيا مع الاتفاقية الأمنية الموقعة من قبل وزراء الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2012. ووفقا لنسخة مسربة من هذا الاتفاق الغير منشور، تلتزم دول الخليج بالتعاون مع بعضها البعض لمطاردة الخارجين عن القانون أو النظام، أو المطلوبين من قبل تلك الدول، أيا كانت جنسيتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم.
ومن المؤكد أن تنفيذ هذه الأطر القانونية الجديدة على المستويين الوطني ودول مجلس التعاون الخليجي، يضع جماعة الإخوان تحت خطر مستمر من الملاحقة القضائية، وفي الممارسة العملية، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة، لم تكن هناك حملات من الاعتقالات ضد الجماعة، ومع ذلك، فإن الطبيعة الشاملة للقوانين المشابهة لقانون الإرهاب السعودي، لا يعتبر فقط الإنتماء الى جماعة الإخوان جريمة، لكن أيضا من يرتبط بأي نوع من الإرتباط معها في الداخل أو الخارج أو يظهر أي دعم أو تعاطف لأي أسباب وعبر أي شكل من أشكال العلن أو وسائل الإعلام.
وحتى في البلدان التي تفتقر إلى قوانين مكافحة الإرهاب، نجد أن التهديد بالمحاكمة أو التسليم لحكوماتهم وفق الاتفاقية الأمنية الخليجية لا يزال قائما، وقد قللت هذه القوانين من آثار الحملة الواسعة التي كانت مخطط لها في دول الخليج لدعم مرسي وحكومته المتواجدون بالسجون، ومنعت أيضا نشطاء الخليج الإخوان من دعم بعضهم البعض، وقد واجه العديد من أعضاء الإخوان في الكويت إمكانية تسليمهم للإمارات بعد قضية رفعتها دولة الإمارات متهمة اياهم بتقديم الدعم المادي لحزب التجمع الإماراتي للإصلاح، وفي الآونة الأخيرة، كان عضو إخواني سابق في البرلمان الكويتي قد واجه قضية رفعت ضده من قبل البرلمان الكويتي لانتقاده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي.
هذا التحدي السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء الخليج يحظى بوجهة نظر مختلفة بعض الشيء في كل من الكويت والبحرين، حيث تحتفظ جماعة الإخوان علنا بالمؤسسات والأحزاب السياسية، وعلى الرغم من الولاء الخالص والذي لا جدال فيه من دانب جماعة الإخوان في للملك حاكم البحرين، ودورها الرئيسي ووقوفها الى جانب العائلة الحاكمة في الأزمة السياسية الجارية في البحرين، برغم ذلك قامت الحكومة البحرينية بترسيم الدوائر الانتخابية في 2014 بطريقة تبدو أنها مقصود بها أن تكون في غير صالح الإخوان المسلمين أو بمعنى آخر يقصد بها جعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لهم، وبالفعل في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر، فاز الإخوان بمقعد واحد فقط، في حين أن الجماعة لم يكن لها أي مرشحين في الانتخابات البلدية حيث كان لها في السابق تمثيل جيد، كما انخفض عدد وزرائهم في مجلس الوزراء، وتواجه الجماعة كبح نفوذها في وزارة التربية والتعليم في البحرين.
وعلى الجانب الآخر، نجد أن الحركة الدستورية الإسلامية في الكويت، وهي الجناح السياسي للإخوان في الكويت، قامت بمقاطعة المعارضة للبرلمان منذ تغيير الأمير للنظام الانتخابي في عام 2012 بقرار منفرد، وكانت هذه الاستراتيجية مكلفة للجماعة، حيث أدت الى حرمانها من الفوائد التي تتحقق من وجودها وتمثيلها التشريعي، سواء في الدعاية والوجود العلني أو في الحصول على مميزات الحكومة من الوظائف والعقود وغيرها، كما تركهم هذا الخيار أيضا دون المنصة البرلمانية التي تمكنهم من مواجهة السياسات المدمرة لمستقبلهم، مثل التطهير الحالي للإخوان من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والقيود المفروضة على الإخوان والسلفيين فيما يتعلق بالأنشطة الخيرية.
وقد أدى التهديد بالعقاب السياسي ضد العديد من الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني الى قيام جماعة الإخوان الكويتية باتخاذ ذلك القرار التاريخي بفصل الجهاز السياسي الذي يمثله حزب الجماعة عن النظام أو عن المنظمة الأم، في حين يتوقع أن تكون تلك العملية مستمرة والجماعة في الكويت لديها بالفعل سلطة صنع القرار المستقلة ولديها خطط لقبول أعضاء من غير الإخوان في المستقبل.
هذه المتاعب التي واجهتها الجماعة في الكويت باتت تصب في النهاية في صالح منافسيهم السلفيين، وفي البحرين ايضا، تفوق المرشحين السلفيين على الإخوان في الانتخابات البرلمانية في عام 2014، كما يستحوذون الآن على نحو 50% من رئاسة المجلس البلدي في الكويت، وبالمثل يحافظ الموالين السلفيين على التمثيل البرلماني ويتمتعون بعلاقات ممتازة مع الحكومة الكويتية.
وفي حين أن الجماعات التابعة للإخوان في الخليج (باستثناء الإمارات العربية المتحدة) كانت بمنأى عن الحملة واسعة النطاق التي شهدتها مصر ضد الإخوان، فإن تلك الجماعات تواجه ايضا مستقبلا غامضا؛ فهذه البيئة السياسية والقانونية العدائية السائدة في الخليج تعوق بشكل كبير عملية إنضمام الشباب الجديد للجماعة، كما تعوق عمل العديد من منظمات المجتمع المدني الخاصة بها، وعلاوة على ذلك، حيث أن الحركة الإسلامية أكثر التزاما واعتمادا على المشاركة السياسية، فإن جماعة الإخوان تعاني أكثر من المنافسين السلفيين من التعصب المتزايد والتضييق على نشاط جماعات الإسلام السياسي، وفي الوقت نفسه، تتراجع إلى مكانة عامة أقل (نموذج المجتمع السري) وتصبح أقل قابلية للحياة في عصر التكنولوجيا الحديثة اليوم.
وتشدد سميث على أن السؤال الأهم هنا مازال مطروحا، وهو عما إذا كانت السلطات السياسية الخليج قد وفرت مسارات وطرق بديلة وكافية للتعامل مع المؤسسات والأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أم لا، وحيث أن مجموعة العلماء التابعة للدولة كانت تفقد مصداقيتها على مدى عقود، فإن ظهور وتشكيل مجموعات جديدة لمواجهة الإخوان مثل مجلس الحكماء المسلمين في الإمارات عليها الآن إثبات جاذبيتها ومصداقيتها الشعبية، وهذا يترك الحقل السياسي الإسلامي لقمة سائغة في الوقت الذي يواجه فيه المنافس الجديد الأكثر طموحا وشراسة وهو: الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش).
* نشر في جريدة الموجز بتاريخ 23 فبراير 2015